اشتهرت شركة فورد الأمريكية عبر تصنيعها للسيارات، وفي مطلع الخمسينيات من القرن الماضي تحولت لشركة مساهمة تتوفر أسهمها في البورصة، الأمر الذي جعلها تنتعش بالوفير من الأموال، استخدمتها في التفكير والتمهيد لصنع سيارة جديدة، توفر تقنيات حديثة وغير مسبوقة في السوق الأمريكية، وعلى سبيل الوفاء. اختارت الشركة تسمية هذا الطراز المنتظر على اسم الابن الوحيد لمؤسس الشركة الشهير هنري فورد، والذي تولى رئاسة شركة أبيه لفترة حتى مات في 1943 ليعود أبوه بعدها لرئاسة الشركة لفترة قصيرة ليتسلمها من بعده حفيده، هنري فورد الثاني، في 1945. في هذا الوقت، كان لدى فورد 3 مجموعات من السيارات، فورد الاقتصادية الرخيصة، ميركوري المتوسطة، لينكون الغالية الفاخرة. كل مجموعة من هذه الثلاثة كانت تتضمن ثلاث أو أربع طرازات، فمثلا فئة لينكون تضمنت كونتينتال و كابري و بريمير، وهكذا. ذهب تفكير أهل الرأي في فورد لخلق فئة جديدة، محصورة ما بين الرخيصة والمتوسطة، لتكون مجموعة ادسل فيها، وكذلك جعلوا لهذه الفئة من ادسل أربع طرازات. عند تسعير هذه الطرازات، جعلت الشركة سعر أدنى طراز في فئة ادسل متساويا مع سعر أعلى سيارة في الفئة الرخيصة فورد، ثم تساوت الطرازات الأخرى مع أسعار فئة ميركوري المتوسطة. أو يمكن ترجمة الفقرة التالية بكلمات أبسط، لم يعرف المشتري الأمريكي كيف يصنف بنفسه هذه الطرازات الجديدة: هل هي رخيصة؟ متوسطة؟ اقتصادية؟ عائلية؟ إذا اخترت أي إجابة منها، فكيف تفسرها في ضوء وجود طرازات أخرى عند نفس المستوى السعري مقدمة من نفس الشركة. ببساطة شديدة، صنعت الشركة أعداء ومنافسين لها بنفسها. ليس هذا فحسب، إذ كان من الصعب أيضا على المشتري الأمريكي العادي تصنيف ادسل مقارنة ببقية طرازات الشركات الأمريكية المنافسة في السوق. عند بدء طرح طرازات ادسل للبيع في 1958، حققت مبيعات لا بأس بها، ربما بفضل الحملات التسويقية والإعلانية، لكنها سرعان ما أظهرت مقاومة شديدة واستعصت على البيع والتسويق لها. وكأن مشكلة التصنيف لم تكن كافية، بدأت مشاكل أخرى في الظهور، سببها قلة جودة المكونات والتجميع، الأمر الذي جعل العديد من المشترين يشتكون من قلة إتقان التصنيع. الطريف أنه تبين أن عدم وضوح موقع طرازات ادسل لم يكن مقصورا على المشترين، ففي داخل شركة فورد ذاتها كان الأمر ملتبسا، ذلك أن ادسل شاركت بقية المجموعات في مكوناتها، وكان تصنيعها يتم على مراحل في عدة مصانع، ذلك أن شركة فورد لم تخصص مصنعا بعينه لإنتاج هذه الطرازات، الأمر الذي أدى لرداءة التصنيع وتدهور المستوى بشكل عام، حتى أن العديد من السيارات خرجت من المصانع ناقصة التجميع، وبعضها الآخر كان يحوي الأجزاء الناقصة في صندوقها الخلفي، لعل أحدهم يجد الوقت لوضع كل شيء في مكانه. وكأن كل هذا لا يكفي، بدأت النكات تصدر والسخرية الأمريكية تنصب على الشكل الخارجي للسيارة، ذلك أن السيارة لم يكن لها شكلها الفريد، بل استعارت من كل بستان وردة، فالمقدمة كانت تشبه طراز كذا، وكذلك المؤخرة والواجهة والمقاعد ولوحة العدادات والإطارات، فأصبحت ادسل سببا للتندر والسخرية، وأصبحت مرادفا للقبح. من باب محاولة علاج المشكلة وتقليل الخسائر، جرى تصميم الطراز الأخير من ادسل في عجالة وبسرعة وتم طرحه في عام 1960، ليحقق مبيعات جيدة، في الواقع جيدة جدا حتى أنه تم بعدها ضم هذا الطراز للفئة المتوسطة ميركوري، مفسحا المجال لوضع نهاية لفئة ادسل ووقف جميع طرازاتها في نهاية عام 1959، والوقوف لمحاولة فهم لماذا فشلت هذه الطرازات بشكل مريع. بلغ إجمالي سيارات ادسل المصنعة 118 ألف و 287 سيارة، بيع منها قرابة 84 ألف سيارة. هذه الأرقام يؤدي لخسارة قدرها 350 مليون دولار في الفترة ما بين 1950 إلى 1960 وإذا قدرناها بأرقام مطلع 2013 – وفقا لموسوعة ويكيبيديا – ستبلغ 2.7 مليار دولار. حاول الكثيرون وضع أيديهم على أهم أسباب فشل ادسل بهذه الدرجة، ووجدوا أنه: - جرى تصميم هذه السيارة في بداية الخمسينيات، لكن طرحها جاء في نهاية الخمسينيات، هذا الفارق الزمني جعل فورد تقدم سيارة كان الناس يريدونها في الماضي لا الحاضر. - روجت شركة فورد بقوة وشدة وعنف لهذه السيارة على أنها أفضل من آيفون، لكن حين طرحها جاءت في مستوى الهاتف الصيني المقلد الرخيص. - صعوبة تصنيف السيارة من قبل رجل الشارع العادي. مصيبة من يدرس في أرقى الجامعات ويحصل على أفضل الشهادات ظنه أن أمثاله من حيث المستوى الأكاديمي فقط هم من يشترون وبالتالي سيفهمون، في حين أن العكس هو الصحيح. - عدم تخصيص مصنع لإنتاج السيارة، وعدم وضوح آلية إنتاج السيارة داخل مصانع فورد، وعدم وجود تدقيق جودة صارم. - تبين وجود صراع داخلي في الإدارة العليا لفورد، فهذا كان يرفض استخدام اسم أبيه على السيارات، وهذا أراد للمشروع أن يفشل، وهذا أراد فرض رأيه على الجميع وليذهب الجميع للجحيم. - رأى البعض أن دراسة السوق التي أجرتها فورد قبل طرح السيارة كانت صحيحة، لكن فورد تفاعلت مع نتائج الدراسة بشكل خاطئ. - كان مزاج السوق الأمريكي يتحول تدريجيا من السيارات العملاقة كبيرة الحجم، لتلك متوسطة الحجم، بسبب الزحام المروري والاهتمام بتكلفة الوقود والصيانة وغير ذلك. ادسل كانت من العمالقة. هل كانت القصة كلها حزينة؟ لا. تعلمت فورد الدرس وبدأت تعالج أخطائها، ولذا حين تحول السوق مرة أخرى فيما بعد كانت فورد مستعدة له. رغم أن الرأي العام حكم على سيارات ادسل بالقبح، لكن الإضافات الجديدة التي قدمتها انتقلت لتكون في كل سيارات اليوم، مثل تغيير التروس باستخدام أزرار مثبتة في عجلة القيادة، وكوابح تعدل نفسها بنفسها وفقا لظروف القيادة، ومنع التروس من الحركة أثناء إدارة المحرك لأول مرة، وغيرها. في الوقت الذي أعلنت فيه فورد عن إلغاء ادسل، أعلنت كرايسلر كذلك عن إلغاء طرازها ديسوتو، وبدأت سوق تصنيع السيارات الأمريكية تتعلم مما حدث وتعيد حساباتها وتجتهد لكي لا تكرر أخطاء غيرها. اليوم، تعتبر سيارات ادسل نادرة يبحث عنها هواة جمع السيارات القديمة، ذات أسعار جيدة جدا خاصة إذا كانت في حالة جيدة. لعل أفضل تطبيق لدعابة (إنها ادسل جديدة) تنطبق على آيفون 7 أو 8، ذلك أن آيفون 5 بدأ الطلب عليه يتراجع، وأتوقع للسادس أن يستفيد من الانطباع الجيد عن آيفون في عقول الناس، لكني سأنظر بعين القلق للطراز السابع والثامن، إذ يجب على ابل فعل أقوى حيلها السحرية لكي تحافظ على سمعتها الطيبة، وقد أكون مخطئا وسأكون سعيدا بخطئي هذا ساعتها، إذا أحيانا الله.
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.