10.55°القدس
10.3°رام الله
9.42°الخليل
15.48°غزة
10.55° القدس
رام الله10.3°
الخليل9.42°
غزة15.48°
الأحد 24 نوفمبر 2024
4.64جنيه إسترليني
5.22دينار أردني
0.07جنيه مصري
3.86يورو
3.7دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.64
دينار أردني5.22
جنيه مصري0.07
يورو3.86
دولار أمريكي3.7

مجلة: الصين تطبق نظاما مدمرا من العقوبات ضد الإيغور

سلطت مجلة "نيو ستيتسمان" البريطانية الضوء على محاولات الصين لتبييض صفحتها بشأن جرائمها ضد أقلية الإيغور المسلمة، من خلال دورة الألعاب الشتوية التي جرت مؤخرا في بيجين، مؤكدة أن البلد الشيوعي يطبق نظاماً مدمراً من العقوبات ضد الإيغور.

وأوردت المجلة مقالا للكاتب كاتي ستولارد قال فيه، إنه لا ينبغي أن يطمئن أحد لظهور لاعبة واحدة من الإيغور في الألعاب الأولمبية الشتوية. وفي أفضل الأحوال، أثبت الاحتفال بإيقاد شعلة الألعاب أن الحكومة الصينية تزعجها الانتقادات الموجهة إليها في الغرب لدرجة أنها سعت إلى الترويج لأسطورة أنها تؤمن بالوحدة بين الأعراق.

وأكد ستولارد أن السلطات الصينية سجنت على مدى السنوات الخمس الماضية ما لا يقل عن مليون من الإيغور ومن الأقليات العرقية الأخرى التي تقطن منطقة شينجيانغ شمال غربي الصين.

وبلغ حجم شبكة معسكرات ومراكز الحبس والاعتقال من الضخامة ما مكن الباحثين من رسم خارطة لها بناء على الصور التي تلتقطها الأقمار الصناعية في الفضاء. ووصف بعض من تمكنوا من الهرب ممارسات من التعذيب الممنهج والتعقيم القسري والاعتداءات الجنسية، ضمن ما يعتبر أضخم عملية اعتقال لمجموعة دينية أو عرقية منذ مخيمات الإبادة أثناء الحرب العالمية الثانية.

وتاليا نص المقال:

انتهى احتفال افتتاح ألعاب بيجين الشتوية في الرابع من فبراير / شباط بمشهد يجمع ما بين النشاز والابتذال، وذلك حين وقفت دينيجير يلاموجانغ، المتسابقة الشابة في رياضة التزلج لمسافة طويلة، على المنصة إلى جوار زهاو إيوين، التي تنتمي إلى أغلبية هان العرقية في البلاد، كلاهما مبتسمتان وتلوحان تحية للجمهور في زيهما الأحمر والأبيض الممثل للفريق الصيني، وترفعان فيما بينهما معاً مشعلاً متلألئاً لإضاءة الشعلة الأولمبية. كانت تلك إيماءة بسيطة، ولكن قوية، صممت كما هو واضح لتوجيه رسالة مفادها: وأين هي الإبادة الجماعية؟

لقد سجنت السلطات الصينية على مدى السنوات الخمس الماضية ما لا يقل عن مليون من الإيغور ومن الأقليات العرقية الأخرى التي تقطن منطقة شينجيانغ شمال غربي الصين. بلغ حجم شبكة معسكرات ومراكز الحبس والاعتقال من الضخامة ما مكن الباحثين من رسم خارطة لها بناء على الصور التي تلتقطها الأقمار الصناعية في الفضاء. ووصف بعض من تمكنوا من الهرب ممارسات من التعذيب الممنهج والتعقيم القسري والاعتداءات الجنسية، ضمن ما يعتبر أضخم عملية اعتقال لمجموعة دينية أو عرقية منذ مخيمات الإبادة أثناء الحرب العالمية الثانية.

لا ندري ماذا يدور بخلد يلاموجانغ بشأن ما يجري في شينجيانغ، لأن أحداً لم يسألها عن ذلك. وكل ما نقلته وسائل الإعلام الصينية المملوكة للدولة عن الرياضية هو عبارات مقتضبة حول مدى اعتزازها بالمشاركة في الاحتفال. إلا أنها لم تظهر في الصباح التالي في المنطقة الإعلامية بعد أن أتمت مشاركتها في السباق، ولو أنها تمكنت من ذلك لرغب الصحفيون في توجيه بعض الأسئلة إليها.

نددت إليز أندرسون من مشروع حقوق الإنسان في الإيغور، وهي منظمة أمريكية غير ربحية، بالاحتفال باعتباره "بهلونة سياسية قصد منها صرف الناس عن الانتقادات الدولية، كما لو أن استعراض رياضية من الإيغور أمام الجمهور بهذا الشكل يمكن أن ينفي الجرائم الموثقة التي ترتكبها دولة الحزب." أخبرني المؤرخ جيفري وازرستورم بأن ذلك ذكره بخلل الأوضاع التي عبر عنها فيلم "ذي هنغر غيمز" (ألعاب الجوع)، "حيث يستخدم المتنفذون داخل العاصمة المتألقة المتنافسين من الأماكن التي تعاني من قسوة ظروف الحياة ومن القهر في سبيل تحقيق مكاسب سياسية".

شعب الإيغور في المجمل أقلية تركية مسلمة تعود جذور تاريخهم ووطن آبائهم وأجدادهم في المنطقة إلى ما يزيد عن ألف سنة. ولقد كانوا طوال معظم تلك الفترة يتمتعون باستقلال ذاتي إلى أن خضعت المنطقة التي يعيشون فيها إلى سيطرة إمبراطورية القينغ ثم بعد ذلك للجمهورية الشعبية الصينية. وفيما يتعلق بالثقافة واللغة، كما يبين ريحان ثوم وموسابير (وهو مؤرخ من الإيغور يكتب تحت اسم مستعار)، فإن الإيغور أقرب إلى وسط آسيا منهم إلى الأغلبية من عرقية الهان في الصين.

وكان القينغ هم من أطلق على هذه المنطقة اسم شينجيانغ، أي "التخوم الجديدة"، وهو اسم يرفضه الإيغور، وذلك بعد أن دمجوا الإقليم في المنطقة الخاضعة لهم عام 1884، وفي ذلك مؤشر على أهمية الحيز الذي كانت تحتله هذه المنطقة في خيالات حكام الإمبراطورية حينذاك وفي أذهان الزعامة الحالية في بيجين. وذلك أن شينجيانغ في نظر الحزب الشيوعي الصيني منطقة حدودية ينبغي أن تظل رهن السيطرة المركزية القوية لئلا تغدو قناة للمؤثرات الخارجية التي تهدد الدولة الصينية الحديثة، أو حتى لا تتمكن – وهذا هو الأسوأ – من الإفلات من قبضتهم بشكل نهائي.

تلعب العوامل الجيوسياسية دوراً ما في تشكيل هذا الموقف. تقع شينجيانغ على مسافة تبعد ألفي ميل عن بيجين ولها حدود مع ثمانية بلدان بما في ذلك أفغانستان والباكستان والهند وطاجيكستان وكازخستان. كما تشكل شينجيانغ مع التبت، وهي المنطقة التي تحاذيها مباشرة إلى الجنوب (وكلاهما يفترض تقنياً أنهما مستقلتان ذاتياً رغم أنهما لا تتمتعان بأي قدر من الاستقلال الذاتي)، تقريباً ثلث مساحة الأراضي الصينية. تساور الصين بشكل خاص مخاوف من الشريط الحدودي الضيق بين شينجيانغ وأفغانستان، بما في ذلك معبر واخان. وبينما عبر المسؤولون الصينيون عن اغتباطهم بالانسحاب الفوضوي للولايات المتحدة من أفغانستان في العام الماضي، إلا أن بيجين تخشى من الأخطار التي يمكن أن تنجم عن وجود دولة فاشلة على حدودها.

يُعرف عن المقاتلين من الحركة الإسلامية في تركستان الشرقية، والذين يضعون نصب أعينهم هدف إقامة دولة إيغور مستقلة في شينجيانغ، أنهم ينشطون من داخل أفغانستان، حيث يرتبطون بعلاقات مع غيرهم من الجماعات المتطرفة. وكما كتب جون سيمبسون، يعتقد بأن ما يقرب من خمسة آلاف من الإيغور انضموا إلى تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا، مما حولهم إلى أكبر مجموعة من المقاتلين الأجانب هناك.

وعندما نفذ تنظيم الدولة الإسلامية في خراسان تفجيراً انتحارياً في مسجد داخل مدينة قندز الأفغانية في أكتوبر / تشرين الأول الماضي، زعمت المجموعة أن الانتحاري الذي نفذ العملية كان من الإيغور وأن الهجوم قُصد منه الرد على العلاقات المتنامية بين الطالبان وبيجين. كما وقعت هجمات قامت بها مجموعات من الإيغور داخل الصين نفسها.

ففي أكتوبر / تشرين الأول من عام 2013، داهمت عائلة من الإيغور بسيارة جمعاً من السياح في ميدان تيانانمين فقتلت اثنين وجرحت ثمانية وثلاثين آخرين. كما نفذ متشددون يرتدون ملابس سوداء هجوماً بالسكاكين والبلطات فقتلت تسعة وعشرين شخصاً داخل محطة قطارات في كانينغ، جنوب الصين، في مارس / آذار من عام 2014، في اعتداء قالت وسائل إعلام الدولة إنه كان بمثابة "الحادي عشر من سبتمبر الصيني". وبعد شهرين قتل ما لا يقل عن واحد وثلاثين شخصاً في تفجير انتحاري داخل سوق في أورومقي، عاصمة إقليم شينجيانغ.

سارع المسؤولون الصينيون إلى تبني لغة الحرب العالمية على الإرهاب لتبرير معاملتهم لإقليم شينجيانغ. في أكتوبر / تشرين الأول من عام 2001، أي بعد شهر واحد من هجمات الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة، أعادت بيجين تعريف مصادر قلقها من الانفصاليين الإيغور معتبرة أنهم يشكلون "تهديداً إرهابياً دولياً مرتبطاً بالقاعدة"، كما ذكر شون روبرتس في كتابه "الحرب على الإيغور" الذي صدر في عام 2020.

لم تدخر الحكومة وسعاً في شن حملة شعواء لاستئصال ما أطلقت عليه "الشرور الثلاثة"، وهي الانفصال والتطرف الديني والإرهاب الدولي، الأمر الذي حول مطالبات الإيغور بحق تقرير المصير إلى مرادف للتهديد الذي يشكله المتطرفون الإسلاميون. كانت تلك طريقة ملائمة ومستساغة أكثر من أي شيء آخر للحديث عن العامل الآخر الذي يقف من وراء سياسات الحزب الشيوعي الصيني في المنطقة، ألا وهو الارتياب الدائم من المواطنين.

في فترة تأسيس الحزب الشيوعي الصيني في عام 1949 أرسل ماوتسي تونغ وفداً إلى موسكو لمناقشة مخاوفه من شينجيانغ مع جوزيف ستالين. اتفق الزعيم السوفياتي مع ماو في أن المنطقة، التي كانت لفترة قصيرة دولة مستقلة بحكم الأمر الواقع، يجب أن تُحتل وتوضع تحت سيطرة بيجين تحسباً من أن تسعى قوى منافسة إلى "تنشيط المسلمين" وزرع بذور الفتنة. وأشار ستالين إلى "الكميات الضخمة من النفط والقطن في شينجيانغ" ونصح بإرسال مستوطنين صينيين لتنمية "تلك المنطقة الضخمة والغنية" وتعزيز الحماية لحدود الصين.

لطالما توجه حكام الصين المتعاقبون إلى المنطقة بنفس النظرة – باعتبارها موقعاً استراتيجياً ذا أهمية بالغة للأمن القومي، إلا أن سكانها ليسوا ممن يمكن للمرء أن يثق بهم بشكل تام. شهدت المنطقة فترات من القمع تراوحت مستوياته ودرجاته على مدى العقود الماضية، إلا أن وصول شي جين بينغ إلى السلطة في عام 2012 شكل تحولاً بارزاً وبداية فصل جديد غدت فيه الحكومة المركزية أكثر عدوانية في تعاملها مع الإقليم. وبعد الهجوم على محطة القطارات في كانينغ في عام 2014، تجول شي جين بينغ في أرجاء شينجيانغ ودعا السلطات هناك إلى توجيه "ضربة ساحقة ماحقة". وحذر من أن استقلال البلاد بأسرها بات مهدداً، ودعا إلى "حرب شعبية" لفرض السيطرة على المنطقة.

منذ ذلك الحين والسلطات الصينية تطبق نظاماً مدمراً من العقوبات الجماعية التي تستهدف السكان المسلمين في شينجيانغ، بحيث غدا في عهد شي جين بينغ التوجه إلى المسجد أو إطلاق اللحية سبباً للريبة ومبرراً للاتهام. أرسلت الحكومة المركزية ما يزيد عن مليون موظف حكومي إلى الإقليم للتعرف على المسلمين "الذين ليسوا أهلاً للثقة"، كما دون ذلك دارين بايلر في كتابه "داخل المعسكرات" الذي صدر في عام 2021. ولقد تم إنشاء المئات من معسكرات الاحتجاز وأقيمت شبكة خانقة من تقنيات المراقبة والتجسس. وطبقاً لبعض التقديرات، فإن ما يتراوح بين عشرة وعشرين بالمائة من السكان البالغين في شينجيانغ تعرضوا للاعتقال.

أظهرت مقاطع مصورة التقطتها طائرات مسيرة مئات الرجال وهم راكعون على الأرض ينتظرون شحنهم على متن القطارات، وقد حلقت رؤوسهم، وصفدوا بالأغلال وعصبت أعينهم. عندما واجه المذيع أندرو مار ضيفه في استديو التلفزيون، سفير الصين في لندن ليو جيامينغ، بتلك اللقطات، أجاب السفير بأن "نقل السجناء" يحصل في كل البلدان، وأضاف: "يتمتع شعب الإيغور بتعايش سلمي وتوافقي مع غيرهم من المجموعات العرقية".

مع تسارع وتيرة الاعتقالات في عام 2019 وزعت على المسؤولين المحليين في مدينة طربان في إقليم شينجيانغ نصوص إجابات على الأسئلة التي كثيراً ما تطرح عليهم من قبل الأقارب المذهولين، مثل: "أين هم أفراد عائلتي؟" تشير الوثائق المسربة إلى أن الإجابة التي كان يفترض فيهم أن يقدموها تقول إنهم "موجودون في مدرسة تدريبية تابعة للحكومة" وأنه "لا يوجد ما يبعث على القلق" بشأنهم. كما تتضمن الإجابات الواردة التأكيد على أن "التعليم في تلك المدارس مجاني" وأن "تكاليف الغذاء والمعيشة كلها مدفوعة" وأن "مستويات التعليم راقية".

ولكن فيما لو ألح الأقارب وسألوا لماذا لا يتمكن الشخص المعني من العودة إلى بيته، يتخذ الحوار مساراً مشؤوماً، وتصبح لهجة الحديث أورويلية، وحينذاك تكون الإجابة المقررة شيئاً مثل "يبدو أنك ما تزال تسيء فهم كيف تجري عملية التعليم المكثف"، وأن الشخص المعني "أصيب بعدوى التفكير غير الصحي"، وأنه إلى أن يتم شفاؤه التام من هذا "الفيروس" ويتم "تغيير أفكاره بشكل كامل"، فلن يسمح له بالمغادرة حتى لا تنتقل العدوى منه إلى غيره.

وبينما يختفي الإيغور البالغون وينتهي بهم المطاف في المعسكرات، وثقت منظمات حقوق الإنسان حالات تم فيها إرسال الأطفال إلى دور أيتام تابعة للدولة حتى مع وجود أقارب لهم على استعداد لأخذهم ورعايتهم. وداخل تلك المؤسسات يفرض على الأطفال التعلم بلغة الماندرين وبذلك يُعزلون تماماً عن جذورهم الإيغورية. وتحت ما يسمى حملة "حتى نصبح عائلة" يبقى المسؤولون من عرقية الهان مع العائلات الإيغورية ويبيتون معهم، بما في ذلك داخل البيوت التي اعتقل رجالها، مما يعرض النساء والفتيات للانتهاك. كما يتم تطبيق سياسات صارمة بهدف منع الحمل، ووردت تقارير بأن النساء يرغمن على تركيب موانع حمل رحمية، صممت بحيث لا يمكن إزالتها إلا من خلال الجراحة، ويخضعن للتعقيم بدون موافقة منهن.

في نوفمبر / تشرين الثاني، قال متحف ذكرى المحرقة في الولايات المتحدة، والذي يسعى القائمون عليه لتقديم خدمة للغير حرم اليهود منها في أوروبا، إنه "قلق جداً" وحث على اتخاذ إجراء سريع ومنسق، محذراً من أن "مستقبل شعب بأكمله يتوقف على ذلك." في تلك الأثناء نددت وزارة الخارجية في الولايات المتحدة وكذلك برلمانات بريطانيا وكندا بالانتهاكات الفظيعة التي ترتكبها السلطات على نطاق واسع داخل شينجيانغ، معلنة أنها إبادة جماعية.

لا ينبغي أن يطمئن أحد لظهور لاعبة واحدة من الإيغور في الألعاب الأولمبية الشتوية. في أفضل الأحوال، أثبت الاحتفال بإيقاد شعلة الألعاب أن الحكومة الصينية تزعجها الانتقادات الموجهة إليها في الغرب لدرجة أنها سعت إلى الترويج لأسطورة أنها تؤمن بالوحدة بين الأعراق. وفي أسوأ الأحوال، كان ذلك بمثابة تعبير عن رؤية الصين لمستقبل الإيغور: شعب باسم مطواع صامت. ومن هنا تأتي أهمية الأصوات التي تنبعث من هذا العدد من مجلة ذي نيو ستيتمان. إن الإيغور أكثر من مجرد ضحايا صامتين.

تسعى هذه المقالات إلى مركزة ثقافة وتاريخ وأدب الإيغور، وتصل ذروتها بقصائد من شعر الكاتبة الإيغورية المنفية فاطمة عبد الغفار صياح، التي تقول معبرة عن مشاعر الفقد والشوق تجاه عائلتها ووطنها "عديني أن تعودي إلي سالمة".

تلك هي حكاية المحاولات التي تسعى من خلالها الحكومة الصينية إلى إسكات شعب بأسره بل وإسكات كل من يرفضون الصمت إزاء ما يتعرض له من انتهاك.

وكالات