11.68°القدس
11.44°رام الله
10.53°الخليل
17.09°غزة
11.68° القدس
رام الله11.44°
الخليل10.53°
غزة17.09°
الأربعاء 04 ديسمبر 2024
4.59جنيه إسترليني
5.11دينار أردني
0.07جنيه مصري
3.81يورو
3.62دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.59
دينار أردني5.11
جنيه مصري0.07
يورو3.81
دولار أمريكي3.62

خبر: لماذا فشل: بيتامكس

بعدها بعام ونصف تقريبا (خريف )1976، أعلنت شركة جي في سي JVC – اليابانية، عن معيار جديد ومشغل جديد اسمته في هتش اس أو VHS. لم يكن هذا ولا ذاك أول منتج يقدم الخدمة ذاتها، بل سبقهما نظام يو-ماتيك (من سوني في 1971) وآخر من فيليبس (في 1972)، لكن عاب هذه الحلول صعوبة استعمالها من المستخدم العادي ناهيك عن السعر الغالي. تروي الكتب التي تحدثت عن هذه الحقبة كيف أن سوني حاولت إقناع الشركات اليابانية الأخرى كي تنضم لمعيار بيتاماكس وتوحد الصناعة في منتج واحد، لكن شركة جي في سي رفضت وعرضت على سوني أن تشاركها هي في معيارها الجديد، لكن الاثنان رفضا، وتوجب الاحتكام إلى السوق. رغم أن المواصفات التقنية المقدمة من جهاز سوني كانت الأفضل، لكن ذلك جلب معه السعر الأغلى، والحجم الأكبر، والزمن الأقل. رغم أن شرائط بيتامكس كانت تعطي جودة أفضل، لكنها كانت أغلى وأقصر. على الجهة الأخرى، كانت مشغلات في هتش اس أرخص، ولديها شرائط تكفي لمدة ساعتين وثلاثة. حين وجدت سوني ذلك، حاولت زيادة زمن شرائطها، لكن مشكلة زيادة سعة الشرائط هي أن لف المزيد من هذا الشريط المغناطيسي كان يعني زيادة حجم الشريط، وكذلك مشاكل تقنية عند بلوغ نهاية الشريط حيث يتداخل ويتشابك ويتعين فك الشريط وإعادة لفه وخسارة الجوء المسجل، وهي مشاكل عانى منها الكثير من حلول المنافسين. جاءت سوني بفكرة جيدة، تقليل سرعة دوران الشريط داخل المشغل للنصف، ما يجعل زمن الشريط ساعتين لا واحدة. ما أن أعلنت سوني عن ذلك، حتى تبعتها جي في سي وهكذا أصبح الشريط الذي يكفي ساعتين أو ثلاث، يكفي لأربع أو ست ساعات. عادت سوني وقللت السرعة أكثر، حتى وصلت إلى 5 ساعات، لكن غريمتها وصلت إلى زمن 10 ساعات ونصف. التسجيل البطيء أدى لتراجع جودة التسجيل ورداءة الصورة، لكن السوق لم يهتم كثيرا بذلك. كان محدثكم يظن أن الحديث عن أسباب فشل منتج ما سيكون أمرا سهلا، لكنه ويا للعجب، أمر صعب للغاية. أن تكون موضوعيا وحياديا في تبرير فشل ما غاية لا تدرك، ذلك أن للفشل تفسيرات كثيرة، بعضها يعكس هوى قائلها، وبعضها لا يمت للواقع بصلة. ما سأذكره هنا هو ما وجدته منطقيا، لكن هذا لا يمنعك عزيزي القارئ من الغوص والوصول لأسباب أخرى، فكما أقول دائما، أسئلة الحياة لا إجابة لها، ولا ينفع معها غش أو قلب صفحات الكتاب لتصل إلى صفحات حلول المسائل. خلاصة ما وصلت إليه لمعرفة سبب فشل بيتامكس، هو أنه في ذلك الوقت، كانت أغلب أفلام صناعة السينما الأمريكية، تمتد لفترة أطول من ساعة. أرادت سوني تقديم حل يسمح للمستخدم العادي في بيته أن يسجل لقطات الفيديو، لكن ما حدث هو أن المستخدم العادي استخدم هذا الاختراع العجيب لكي يشاهد أفلام السينما في بيته. هذا الاختراع الجديد سمح لشركات ومحلات تأجير شرائط الفيديو لأن تزدهر وتنتشر، وكانت المنافسة شديدة في البداية، لكن يوما بعد يوم، بدأ نصيب شرائط بيتامكس في محلات التأجير في التراجع، حتى خسرت سوني المعركة، رغم أن منتجاتها كانت الأفضل. دعني أشبه لك هذا الأمر بشيء من الواقع. يمر المتقدم لشغل وظيفة في جوجل على 10 مقابلات توظيف أو أكثر حتى ترضى شركة جوجل أن تدعه يعمل في فريقها. جوجل لا بد وأن تطمئن إلى عبقرية ونبوغ المتقدم الفذ، لكي تسمح له بدخول جنتها. الآن، هل هؤلاء الجيوش من العباقرة هم شريحة العملاء الذين سيضغطون على إعلانات جوجل؟ بالطبع لا، هؤلاء الجهابذة لا يضغطون على أي إعلان انترنت ولو فعلوا فسيكون في أضيق الحدود، وهذه إحصائية معروفة. من يضغط إعلانات جوجل بوفرة وكرم هم الدهماء، العامة، السوقة، أو الناس العادية. المنتجات الموجهة لعموم الناس ذات حظ أكبر في النجاح. عموم الناس تريد جودة جيدة لكن ليس بالضرورة عالية، تريد منتجات تعمل بأقل جهد من التفكير والعقل، منتجات تجدها بسهولة وبسعر متوسط مقبول. عموم الناس تريد أن تجد معيارا سهلا للمقارنة حين تواجه بضرورة الاختيار ما بين منتجين. تخيل نفسك معي في هذا الموقف: هلا بالطيب الغالي، يا طيب عندي اليوم لك منتجين، بيتا و في هتش، والاثنان يسجلان الفيديو في منزلك. كيف ستختار، وأنت الرجل العادي الذي لو تقدم لجوجل لرفضته على الفور ولربما شهرت به وبمعدل ذكائه المتدني. قد تظن بي حب السخرية، أو الرغبة في التشهير بهذه الشركة أو تلك، لكنها الحقيقة البسيطة، التي تغيب عن كثيرين لشدة بساطتها. الناس تريد البساطة والسهولة. منتج س و منتج ص، كيف لي أن أعرف ما الأفضل منهما؟ أعطني معيارا سهلا للمقارنة، وفي حالة بيتامكس وفي هتش اس كان معيار المقارنة هو مدة كل شريط. كانت المقارنة ما بين ساعة و ساعتين من التسجيل، مع فارق بسيط جدا في الجودة، وكانت الغلبة للساعتين. حين عالجت سوني هذه المشكلة، عالجتها بحل تقني أمكن تقليده بسرعة وبسهولة من المنافسين، ولذا لم يفدها كثيرا هذا الحل. لماذا لم يعد أحد يتحدث عن هذه الحرب؟ لأن كل هذه المعايير خسرت أمام القادم الجديد، التسجيل الرقمي، والذي كانت سوني مستعدة له جيدا، ووفرت له وسائل تخزين تكفي فترات طويلة – من البداية. كذلك استفادت سوني حين ربحت الحرب ما بين معيارها بلو راي و هتش دي دي في دي HD DVD في عام 2008، وهذا يدلنا على الفشل إنما يمهد للنجاح في المستقبل، وليس نهاية المطاف. إذا كنت لتخرج بشيء من هذه القصة، فهو أن تجعل لمنتجك الجديد معيارا واضحا لمقارنته مع المنافسة، وأن تكون طريقة استخدامه البساطة بعينها، وأن يستفيد منه المستخدم العادي – الرجل الذي يسير في الشارع – الرجل الذي لو تقدم لشركة جوجل لرفضته لتراجع معدل ذكائه. أقول ذلك وأؤكد على أني لم أتقدم لشغل وظيفة في جوجل، على أني لا أشك في أني لو فعلت لرفضتني. الآن، لا تظن أن هذه هي الأسباب الوحيدة لفشل بيتامكس، لكن هذه هي الأسباب التي اتفق عليها عدد كبير – نسبيا من الناس، لكني أريد أن أعرف منك عزيزي القارئ، في رأيك أنت، لماذا فشلت شرائط بيتامكس؟ أم أنك تراها لم تفشل؟ لماذا؟