مياهُ خليج دافئة وخزائن نفط عامرة، جلبت الاحتلال السوفيتي عام 1979 لبلاد الأفغان، ونقلت أفغانستان من حرب لأخرى نسوا على إثرها معنى السلام وصدمتهم بواقع الإنسان، الذي قُتل وشُرّد منهم الآلاف بل الملايين فأفقدهم معنى الأمن والأمان، مبادئ حضاراتٍ زائفة سقطت وكانت للخذلان عنوان. وكأن أفغانستان لا يكفيها ما فيها، حتى تأتي أمريكا وتحت الذرائع الواهية والنية المُبيّتة سابقاً والخطط المُعدة ومنطق القوة تقوم بشن حرب ضروس أكلت الأخضر واليابس في أفغانستان طمعاً في السيطرة على خيرات البلاد، وإن أفضت لقتل العباد فحرمت الأب من أولاده وحرمت الأولاد من أمهاتهم، قطّعت أوصال البشر ولم ترحم الحجر، قصفٌ جويٌ مستمر واجتياح بريٌ لا يستكين إلا على الأجساد المسحوقة والطرق المدمرة. حربٌ جعلت من أفغانستان جراحٌ نازفة وصورةٌ تُجسد المعاناة الإنسانية بكل تفاصيلها، لا تكفيها مقالات ولا حتى على الفضائيات لقاءات، فالألم أكبر والحاجة أعظم والصورة أبلغ من كل الكلمات. نزوحٌ داخلي يصل إلى أكثر من 440 ألف، يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، عيون ترقُب أي نوع من المساعدات وأفواه تنتظر أن تروى العطش بالماء وبطون تنتظر طعاماً يسد حاجة الأمعاء. ولجوءٌ خارجي يزيد عن 7.5 ملايين شخص، حيث معدل وَفَيَات الأطفال الرضع بين اللاجئين بحوالي 152 وفاة لكل 1000 ولادة حية، ومعدل وفيات الأمهات بحوالي 820 وفاة لكل 100.000 ولادة حية، ومعدل وفيات الأطفال ما دون الخامسة بحوالي 257 لكل 1000 ولادة حية، وسط انتشار لأمراض السل والملاريا والكوليرا والهزال الشديد. ناهيك عن الأعداد المخيفة للشهداء والجرحى التي تُخلف آلاف الأيتام والأرامل ومبتوري الأطراف مما يفاقم المأساة، حيث مارست وتمارس أمريكا ضده حربَ إبادة بالطائرات والصواريخ والقذائف التي يذهب ضحيتها آلافُ المدنيين الأبرياء بشكل يومي. آلاف المعتقلين ضمن زنازين لا تكفي لربع عددهم، يواجهون أسوء ظروف الاعتقال وإهانة الكرامة البشرية ناهيك عن التعذيب الجسدي وحالات الاغتصاب للسجناء. حربٌ ومأساةٌ لأكثر من ربع قرن، ولا نهاية واضحة لحرب ضروس تقودها الولايات المتحدة ضد شعب أعزل لا يملك إلا الإيمان بحقه بتطهير أرضه والذود عن عرضه واستعادة كرامته المكفولين دينا وعرفاً وقانوناً دولياً، حربٌ قال عنها أربعون من خبراء المنظمات الإنسانية الدولية في رسالة مفتوحة قوية لأوباما "إن ما كان مفترضاً فيه أن يكون إستراتيجية تهدف إلى خدمة المجتمعات في الأساس، قد تحول الآن إلى حملة عسكرية شاملة تحصد أرواح المواطنين المدنيين وتدمر ممتلكاتهم. وحتى الآن لم تنجح هذه الحملة العسكرية سوى في معالجة أعراض المرض، دون إيجاد علاج ناجع له. وسواء رضيتم أم أبيتم، فإن طالبان سوف يكون لها حضور بعيد المدى في المشهد السياسي الأفغاني. ولذلك فنحن بحاجة الآن لإيجاد وسيلة للتفاوض معها بغية التوصل إلى تسوية دبلوماسية للمشكلة". صورةٌ قاتمة فقدت فيها الإنسانيةُ المبادئ، ووقفت الأمم المتحدة عاجزة عن نصرة المظلومين في أرض أفغانستان وسكنت ودانت لبطش أمريكا وعدوانها على الشعب الأعزل المسالم المسلم، جرح من جراح الأمة الإسلامية غائر يحتاج لتكاتف الأيادي البيضاء وعلاج تتكفل فيه روح الأشقاء. وكما فلسطين حلها لا يكمن إلا برحيل الاحتلال، فالحل الرئيس لمشكلة بلاد الأفغان رحيل الاحتلال وتفرغ الشعب الأفغاني لبناء دولته بعيداً عن التدخلات والوصاية الخارجية. أما التدخل في الوضع الإنساني فهو مطلوب من كل من يحمل رسالة إنسانية، وهو واجبٌ شرعي مفروض على أمة المسلمين فهذه دولة إسلامية نُصرتها واجبة والدفاع عنها وعن حقوقها فرض عين. وقد طلبت 51 منظمة دولية ومحلية 678 مليون دولار لمساعدة الأشخاص الأكثر تعرضاً للخطر في أفغانستان في عام 2011 من خلال 134 مشروعاً، إلا أن وجهة نظري أن المناشدة لا ترقى لحجم الاحتياج، فالمنطقة تعاني من جفاف منذ عامين، وأعداد المصابين والجرحى والنازحين واللاجئين في ازدياد وهنالك العديد من المتعطلين عن العمل، ناهيك عن النِسب المُخيفة للفقر في بلاد الأفغان. وتتنوع احتياجات الشعب الأفغاني، حيث تبدأ بتوفير مستلزمات الطعام والشراب للعديد من الأسر الفقيرة التي لا تملك قوت يومها، حيث الأم والأب يَشدّان الأحزمة على البطون لتوفير قوتهم لأطفالهم صورة حاضرة في المجتمع الأفغاني. وهنالك حاجة لبرنامج رعاية صحية كامل، من افتتاح مستشفيات ميدانية في مراكز اللجوء ومعالجة الأمراض المنتشرة في معسكراتهم، ناهيك عن تقديم الخدمات الصحية للأفغان وتطوير وبناء مستشفيات جديدة حيث تعاني المناطق النائية تحديداً من عدم وجود أي نوع من الخدمات الصحية والذي يتسبب في فقد حياة المصابين والمرضى نتيجة صعوبة نقلهم لمراكز الصحة المركزية. أما المعوقين نتيجة انفجار الألغام الأرضية والقصف الجوي الأمريكي، فهنالك حاجة لتقديم خدمات الأطراف الاصطناعية وإعادة التأهيل لهم بما يساعدهم على الاندماج من جديد في المجتمع وإنشاء مراكز ودور رعاية شاملة لهم. كما تبرز الحاجة للاهتمام بخدمات الصرف الصحي وتزويد مخيمات اللجوء والنزوح بالمياه الصالحة للشرب عبر حفر الآبار وتحليه مياه الخزان الجوفي. كما أن هنالك حاجة ماسة لتوفير مساكن للأفغان بدل المساكن المُدمرة نتيجة القصف الجوي والاجتياح البري الأمريكي وأقله تحسين مستوى المعيشة في معسكرات اللجوء والنزوح. وهنالك حاجة لرعاية الأيتام وأمهاتهم عبر توفير برامج الرعاية الشاملة للأيتام ومراكز تأهيل ودعم الأرامل بغرض إعادة دمجهم بالمجتمع والحفاظ عليهم من عوامل الضياع نتيجة الحاجة. والمؤسسات الحقوقية مطالبة بالتدخل في وضع الأسرى المحتجزين، فلا يقبل عقل ولا منطق أن يبقى حال الأسرى على ما هو عليه، حيث وحسب ما توفر من معلومات فإن العديد من الحالات قد أصابها الجنون وفقدت عقلها نتيجة أساليب التعذيب الوحشية التي تقوم بها الإدارة الأمريكية في السجون الخاضعة لسيطرتها. تلك المساعدات والبرامج يجب أن تبدأ بالتدفق من خلال مظلة عربية وإسلامية يقبلها جميع الأطراف المحلية في أفغانستان تُوضع فيها الثقة وتُحمل المسؤولية والأمانة. أجدد دعوتي لمن ألمس فيهم الخير أصحاب الهمم طالبي القمم أبناء الأمة التي أُخرجت خير أمة للناس، أنتم من ينتظر منكم الأفغان النُصرة فإياكم وخذلانهم فأنتم عنهم مسؤولين، لا يُعفى منكم أحد إلا من أُعذر إلى ربه، وليت شعري يدري كيف ننام عن الضيم الواقع في أفغانستان ونتأخر عن نُصرة الأمهات الثكلى والأيتام الجوعي، لما تغيب أفغانستان ومأساتها عن حديثنا وأفعالنا؟، إلى متى سنبقى أسرى أنفسنا ورغباتنا وملذاتنا وهموم الأمة أخر ما نُفكر فيها. أروا أهل الأفغان فِعلكم، وليسبق الجود المعروف عنكم كلماتكم وتعاطفكم ومشاعركم، نُحرت في بلاد الأفغان مبادئ زائفة وحضارات أمم تدّعي التقدم وهى في ذيل القيم والأخلاق، فإياكم أن تُذبح في بلاد الأفغان مبادئ وقيم أمة المليار ونصف المليار.
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.