شهدت السنوات الأخيرة مجموعة من القرارات "الإسرائيلية" المتعلقة بزيادة تصاريح العمل للعمال الفلسطينيين في "إسرائيل"، إضافة إلى استحداث حصص في قطاع الهاي تك والقطاع الصحي، وقطاع الفندقة، كما شملت هذه القرارات السماح لعمال غزة بالعمل في "إسرائيل"، وشملت تغييرات على نظام إصدار التصاريح وآليات الدفع للعمال.
لذلك سنقوم في هذا المقال بالإجابة على مجموعة من الأسئلة تتعلق بماهية تصاريح عمل الفلسطينيين في "إسرائيل" ومتى بدأت؟ وما هو عدد العمال الفلسطينيين في "إسرائيل"؟ وما هي المجالات التي يعمل فيها الفلسطينيين؟ وما هو تأثير هذه القرارات على الاقتصاد الفلسطيني؟
بداية يعود السماح للعمال الفلسطينيين العمل في "إسرائيل" إلى العام 1970 حيث أصدر الحاكم العسكري تصريحاً عاماً تمكن بموجبه كل العمال الفلسطينيين من الضفة الغربية وقطاع غزة من الدخول للعمل في "إسرائيل"، وتشير البيانات في منتصف الثمانينات من القرن الماضي أن حوالي 40% من القوى العاملة الفلسطينية كانوا يعملون في "إسرائيل"، وفي العام 1991 تم إلغاء التصريح العام وفرض إغلاق شامل، وإصدار قانون العمالة الأجنبية، ووفق هذا القانون أصبح شرطاً للعمل في "إسرائيل" الحصول على تصريح فردي صادر عن سلطة السكان والهجرة، واستمر هذا النظام حتى العام 2020.
حيث كان يتم تحديد عدد العمال الفلسطينيين في "إسرائيل" وفق نظام الحصة العامة، حيث تحدد الحكومة "الإسرائيلية" عدد الفلسطينيين المسموح لهم بالعمل في "إسرائيل"، ويتم تقسيم هذا الحصة العامة إلى حصص صغيرة لكل شركة "إسرائيلية" مسجلة وفق القدرة الاستيعابية للشركة، حيث يقوم المشغل أو صاحب الشركة بتقديم طلب لسلطة السكان والهجرة ليتم إصدار تصاريح عمل لكل العمال الذين يريد المشغل إصدار تصاريح لهم وفق حصته، كما يجب على العامل الفلسطيني الذي حصل على تصريح عمل التقدم للحصول على تصريح عبور يخضع لاعتبارات أمنية وإجتماعية تتحكم بها الإدارة المدنية وجهاز الأمن العام "الإسرائيلي".
بعض الشركات أو المشغلين لا يستطيعون أحياناً استخدام حصتهم كاملة، لذا يقوموا بواسطة بعض الموظفين "الإسرائيليين" ببيع باقي التصاريح إلى مقاولين وسماسرة وتجار تصاريح، مما تسبب في خسارة الكثير من العمال لحقوقهم العمالية، كما ظل مصيرهم معلق بالسمسار، حيث يلتزم العامل بدفع مبلغ شهري للسمسار لاستمرار تصريحه.
منذ العام 2016 اتخذت دولة الاحتلال قراراً على الطريق إلى السلام الاقتصادي يمكن تلخيصه في نقاط ثلاث، أما الأولى فهي زيـادة حجـم العمال الفلسطينيين في "إسرائيل"، خصوصـا فـي قطـاع البنـاء، وابتـداء مـن العـام 2022 البدء بتخصيـص كوتـا للعمـال الفلسـطينيين القادميـن مـن غزة، والثانية تحسين طريقـة إصـدار التصاريح والعمل على محاربة السماسـرة (الذين يستغلون العمــال، ويقتطعون جــزء مــن أجورهــم)، والثالثة تتعلق بتغييـر ظـروف العمـل مـن خـلال تطويـر نظـام دفـع أجـور العمـال بحيـث يتـم تدريجيـا اسـتبدال آليـات الدفـع النقـدي بآليـات دفـع بنكيـة عـن طريـق حـوالات مـا بيـن البنـوك الاسـرائيلية والفلسـطينية.
من خلال الدراسات المنشورة على موقع معهد أبحاث الدراسات الاقتصادية والإجتماعية (ماس) فقد بلغ العدد الإجمالي للعمال الفلسطينيين في "إسرائيل" منتصف العام 2022 حوالي 203,400 عامل، يشكلون 25% من القوى العاملة في الضفة الغربية، ويساهمون بحوالي 15% من الناتج القومي الفلسطيني، منهم حوالي 101,700 عامل يحملون تصاريح عمل، 43,500 عامل بلا تصريح عمل، كما يحمل 57,200 عامل منهم الهوية المقدسية.
ولا يزال حوالي 60% من العمال الفلسطينيين يعلمون في وظائف غير ماهرة، وهو ما كان سائداً منذ السبعينات، فيما يشكل المهنيون المحترفون 2.4% من إجمالي العمال الفلسطينيين في "إسرائيل"، وقد عملت "إسرائيل" بشكل رسمي على إدخال عمال فلسطيني مهرة إلى سوق العمل "الإسرائيلي" في العام 2021، حيث تم تخصص حصة لتقنيي الهاي تك، كما خصصت حصة رسمية للعاملين في القطاع الصحي سواء كانوا ممرضين أو أطباء.
بالنسبة لقطاع غزة، فمنذ العام 2006 لم تخصص "إسرائيل" حصص لعمال القطاع، ولكن ابتداءاً من العام 2022 قررت الحكومة "الإسرائيلية" السماح لعمال غزة بالدخول إلى "إسرائيل" للعمل وفق حصة أولية بحوالي 20,050 تصريح عمل موزعة على 12,000 في قطاع البناء، و8,000 في قطاع الزراعة، و50 لصالح قطاع الخدمات، ووفقاً للوضع الأمني في قطاع غزة ستقوم "إسرائيل" بزيادة حصة قطاع غزة من تصاريح العمل.
خلاصة القول أن الزيادة المضطردة في عدد العمال الفلسطينيين في "إسرائيل" من الناحية الاقتصادية جاءت نتيجة لزيادة الطلب على الأيدي العاملة في قطاع الإنشاءات وقطاع الخدمات، حيث تعتبر الأيدي العاملة الفلسطينية ذات جودة عالية ورخيصة مقارنة بالأيدي العاملة الأجنبية، ولكن هناك خطة مرسومة تعمل وفقها الحكومات "الإسرائيلية" المتعاقبة على اختلاف توجهاتها منذ العام 2016، والتي تسعى من خلالها "إسرائيل" إلى تثبيت السلام الاقتصادي والعمل وفق مبدأ الهدوء مقابل الاقتصاد، وبذلك تعمل على تعميق التبعية الاقتصادية الفلسطينية "لإسرائيل"، ومن خلال التوجه الجديد لجذب العمالة الفلسطينية الماهرة، وسلسلة الإجراءات والعوائق "الإسرائيلية المقيدة للنشاط الاقتصادي عملت وستعمل "إسرائيل" على إضعاف القطاعات الإنتاجية الفلسطينية، كما ستحد من أي حلم في التنمية في الأراضي الفلسطينية، و ستمهد الطريق نحو العودة لسوق العمل الموحدة التي كانت في ثمانينات القرن الماضي، وسيساهم الضم الاقتصادي الحالي إلى الضم القانوني والسياسي، وفرض حقائق جديدة على أرض الواقع.