أثناء إقامتي في تركيا كنت أستغرب عند قيام سائق الدلمش-باص نقل داخلي- أو السوبرماركتات المحلية مثل بيم أو أونور أو غيرها من المحلات التجارية بإرجاع قطع نقدية صغيرة القيمة مثل 5، 10، 25 قرش عند الشراء، حيث يستخدم الأتراك الخمس قروش وهي أصغر وحدة متداولة، والليرة التركية تساوي 100 قرش، وإذا أردنا التحويل من الليرة إلى الشيكل فإن خمس قروش تركية تعادل أغورة أي 1/100 شيكل، وهنا أتساءل لماذا لم نعد نتداول العشر أغورات أي 1/10 شيكل منذ أكثر من 20 سنة أو حتى ال50 أغورة والتي يستبدلها السائق أو صاحب السوبرماركت بقطعة كيك أو شوكلاته أو باكيت نيسكافيه؟ وما هي الآثار الاقتصادية المترتبة على عدم تداول العشر أغورات؟
بداية عدم تداول العشر أغورات في الأسواق الفلسطينية لم يكن بقرار رسمي من سلطة النقد الفلسطينية وإنما لأسباب تتعلق بعدم طلب سلطة النقد الفلسطينية منذ فترة طويلة لهذه الفئة النقدية من بنك "إسرائيل" نظراً لتكاليف نقل كميات من هذه الفئة النقدية الصغيرة من البنك إلى الأراضي الفلسطينية، وتكاليف إرجاعها عند وجود فائض أو ضرورة الاستبدال، لأن تكاليف النقل مرتفعة نسبياً مقابل القيمة النقدية لهذه العملة.
ووقف تداول فئة العشر أغورات في الأسواق له آثار اقتصادية تتعلق بزيادة التضخم بمعدلات إضافية بالإمكان تفاديها، ونتيجة لزيادة التضخم ينخفض الدخل الحقيقي للمستهلك، فعلى سبيل المثال إذا كانت كلفة إنتاج سلعة ما 4 شيكل و70 أغورة، وحدد التاجر هامش ربح 50 أغورة فإن سعر السلعة يصبح 5 شواكل و20 أغورة، لكن هذا السعر غير ممكن لغياب العشر أغورات، لذلك يقوم التاجر بتحديد سعر 5 شواكل و50 أغورة، ما يمثل زيادة بمقدار 5.8% يتحملها المستهلك.
كما يؤدي عدم تداول فئة العشر أغورات أيضاً إلى عجز في ضبط الأسعار، وتسعير بعض السلع والخدمات الأساسية بأسعار غير عادلة ومجحفة في حق المستهلك، بحيث لا نستطيع أن نلمس تأثير أو انعكاس التغير في الأسعار العالمية على أسعار السلع والخدمات محلياً، كما أن عدم تداول هذه القطع النقدية يتسبب بمشكلة تتعلق بتعرفة المواصلات العامة، ففي غزة مثلاً يتم تسعير المواصلات بفئة الشيكل، وهذا الأمر فيه إجحاف بحق الراكب، ففي المواصلة التي تعرفتها شيكل وخمسين أغورة فإن السائق لا يتنازل عن ال50 أغورة وعوضاً عنها يأخذ نصف أغورة إضافية وتصبح تعرفة المواصلة 2 شيكل.
ولعل أكثر المتأثرين من عدم تداول القطع النقدية الصغيرة هم أصحاب الدخل المتدني والذين يذهب معظم دخلهم على كإنفاق على الغذاء، والمواصلات وهذه مدفوعات تتم بشكل متكرر يومياً وبمبالغ صغيرة نسبياً على امتداد الشهر.
وعليه ونظراً للآثار السلبية لوقف تداول العشر أغورات والتعامل بها بالنسبة إلى فئة كبيرة من أفراد المجتمع الفلسطيني يجب على سلطة النقد الفلسطينية دراسة قرار إعادة ضخ القطع النقدية الصغيرة مثل العشر أغورات وكذلك الخمسون أغورة إلى الأسواق الفلسطينية نظراً للجدوى الاقتصادية المترتبة على ذلك حيث يمكن استخدامها في تخفيض الأسعار من جهة وتحسين آلية التسعير من جهة أخرى.