السذاجة ليست مفردة تُستخدم كثيرًا لوصف جهاز الاستخبارات الإسرائيلي "الموساد"، ولكن قضية السجين إكس وانتشارها كالنار في الهشيم على مواقع الانترنت من استراليا إلى الكيان "إسرائيل" ، تدين ببعض الفضل في انتشارها إلى افتراض اعتمد عليه أخطر جهاز تجسسي إسرائيلي بحيث يمكن القول إنه أقرب إلى السذاجة في تفاؤله. ويتمثل هذا الافتراض في أن مسئولي الموساد ظنوا أن بمقدورهم حبس سجين بلا اسم في أسوأ الزنازين الإسرائيلية صيتًا، وهو ردهة كاملة في الواقع بُنيت خصيصًا لقاتل رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إسحاق رابين، والرهان على أن حبسه فيها لن يلفت الأنظار ، حتى بعد موته هناك. واتضح أن السجين هو بن زيغير المعروف أيضا باسم بن ألون وبن ألن وأحياناً باسم بنجامين باروز، وكلها أسماء قانونية وضعها على جوازات سفر خلال السنوات العشر التي اشتغل فيها عميلاً للموساد قبل أن يرميه الجهاز في السجن بصورة مفاجئة عام 2010 , وتوفي في الزنزانة رقم 15 في ديسمبر من ذلك العام، مشنوقًا في ما قال التحقيق الرسمي إنه انتحار. ولا يُعرف ما فعله زيغير، الاسم المكتوب على شاهد قبره، ليستحق الاعتقال والسجن، ولا يُعرف ما قدمه من خدمات للموساد رغم أن جوازات السفر التي حصل عليها من وطنه الأم استراليا تشير إلى احتمالات متعددة، فإن العملاء من ذوي الجنسيات المزدوجة يصلحون لعمليات الاستطلاع والاستكشاف ، بما يوفره الجواز غير الإسرائيلي من إمكانية السفر إلى دول مثل سوريا ولبنان وإيران دون قلق من السفر بوثائق مزورة، وتبيَّن أن استراليا بلد مناسب للغاية , فإن قانونها يجيز للمواطن تغيير اسمه مرة في السنة. وقام زيغير بتغيير اسمه ثلاث أو أربع مرات، الأولى بعد أن قرر أن يصبح إسرائيلياً في عام 2000. ويستخدم كثير من المهاجرين أسماء عبرية , واختار زيغير اسمًا يشير إلى الصلابة والثبات هو ألون الذي يعني بالعبرية "شجرة البلوط". أما لماذا غيَّره المرة تلو الأخرى فإن هذا ما أرادت السلطات الاسترالية أن تعرفه بسؤال زيغير عام 2010 إثر حادث حملها على إمعان النظر في السبب الذي يدفع أشخاصاً يحملون الجنسية الإسرائيلية إلى استخدام جوازات استرالية، وكان هذا الحدث اغتيال القيادي في حركة حماس محمود المبحوح في أحد فنادق دبي في 19 يناير 2010. واغتيل المبحوح في فراشه على أيدي عملاء الموساد الذين افتضح أمرهم أولاً بكاميرات الفندق ثم بجوازات سفرهم، إذ كان بعضها مزوراً والبعض الآخر وثائق سفر صادرة عن بريطانيا وفرنسا وبلدان أخرى بينها استراليا. ولا يُعرف ما إذا قام زيغير الذي كان في الرابعة والثلاثين وقتذاك ، بدور في اغتيال المبحوح, ولكن حتى إذا لم يكن له دور فيبدو أنه لفت أنظار السلطات الاسترالية التي نبش مسئولوها في سجلات المواطنين ذوي الجنسيات المزدوجة في أعقاب الاغتيال. وكان زيغير في استراليا حينذاك يدرس للحصول على شهادة ماجستير , وكان التمحيص في هويته مزعجًا ولم يقتصر على القنوات الرسمية، فبعد أن استجوبته الاستخبارات الاسترالية تلقى زيغير اتصالاً من الصحفي جيسون كوتسوكيس، الذي أشار في صحيفة سدني مورننغ هيرالد الى أن مصادر استخباراتية أرشدته إلى ثلاثة رجال يُشتبه باستخدام جنسيتهم الاسترالية غطاء من أجل التجسس لحساب "إسرائيل". وكتب كوتسوكيس أن الثلاثة يديرون شركة "واجهة" في أوروبا لبيع الأجهزة الالكترونية إلى إيران، في عملية كانت تلجأ إليها الاستخبارات الغربية لتخريب برنامج إيران النووي من خلال بيع معدات معطوبة عن عمد. ولم يذكر كوتسوكيس أسماء الأشخاص الثلاثة أو اسم الشركة في تقريره الذي نشره في فبراير 2010 ولكنه قال لصحيفة الغارديان البريطانية هذا الأسبوع إنه تحدث مع زيغير وقتذاك وسأله زيغير من يكون مستغربًا وصول الصحفي إليه، ولكن زيغير نفى كل شيء صارخًا بوجه الصحفي الاسترالي "ما هذا الهراء الذي تقوله لي؟" . وقال مسئولون إسرائيليون لمجلة تايم: "إن رؤساء زيغير اعتقلوه لدى عودته إلى الكيان دون أن يعطوا تفاصيل أخرى ولكنهم أشاروا إلى أن زيغير فقد لسبب ما ثقة مسئوليه, وسواء انهار زيغير خلال استجوابه في استراليا أو تحدث لصحافيين أو لشخص آخر، فإن الموساد ينظر إلى أي خرق للسرية بمثابة خيانة"، وقال مسئول قانوني إسرائيلي رفيع يوم الخميس: "إن زيغير ألحق ضررًا بالغًا بأمن دولة "إسرائيل""" دون أن يخوض في التفاصيل. حُبس زيغير في الزنزانة رقم 15 باسم وهمي , وكان محاموه من أشهر المحامين في "إسرائيل" بينهم محامٍ زاره في السجن قبل يوم أو يومين على انتحاره شنقًا ، في حمام زنزانته حيث لا توجد كاميرا فيديو ، كما تردد, ونقلت مجلة تايم عن المحامي أن موكله نفى كل التهم الموجهة إليه وأنه ظل في الحبس الانفرادي طيلة أشهر. أُرسلت جثة زيغير إلى ملبورن , وما زال إفراد عائلته ، بمن فيهم زوجته وطفلاه ، متوارين عن الأنظار , وذُكر موت سجين بلا اسم على موقع يديعوت أحرونوت الالكتروني ولكن الرقابة الإسرائيلية سارعت إلى إصدار أمر بسحب المادة. وفُرض حظر على الحديث عن القضية ظل سارياً حتى هذا الأسبوع عملياً عندما بث التلفزيون الاسترالي فيلمًا وثائقيًا عن زيغير وعلاقته بالموساد، ثم سأل نواب إسرائيليون وزير العدل عن تقرير التلفزيون الاسترالي في الكنيست. وعندما أوشكت الفضيحة على الانفجار استُدعي محررو الصحف الإسرائيلية للقاء مع مسئولين كبار في حكومة بنيامين نتنياهو من أجل التستر على القضية التي ذاعت في أنحاء العالم بفضل مواقع التواصل الاجتماعي والانترنت. وما حدث بعد ذلك كان ردود أفعال، إذ كتب شيمون شيفر في صحيفة يديعوت أحرونوت "أن الدعوة "العاجلة للقاء محرري الصحف بهدف منع الإعلام من الحديث عن التحقيق الذي بثه التلفزيون الاسترالي بعد أن نال تغطية واسعة في أنحاء العالم، تصوُّر صانعي القرارات عندنا على أنهم زمرة أُمية من رجال المافيا تحمي مصالح ضيقة وتسعى إلى التستر بدلا من حماية أمن دولة "إسرائيل". ونقلت صحيفة هآرتس عن صديق من أصدقاء زيغير لم تذكر اسمه أن زيغير أسرَّه في حانة قبل عشر سنوات بأن الموساد جنده للعمل وذهبت صحيفة كويتية إلا أن زيغير باع معلومات عن عملية اغتيال المبحوح إلى دبي، ولكن الرواية التي بدأت تكتسب بناء منطقيًا تقول إن العميل الشاب وقع بين مطرقة وسندان استخبارات دولتين كلتاهما كانت تدعي انتماءه إليها.
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.