أصدر صندوق النقد الدولي بيانه حول الوضع المالي في الأراضي الفلسطينية بعد زيارة استمرت 12 يوم التقى فيها المسؤولين الفلسطينيين واطلع على الأوضاع المالية للسلطة الفلسطينية، حيث أن الاقتصاد المحلي نما في 2021 بنسبة 7.1 بالمئة، ويتوقع أن يتراجع إلى 4 بالمئة بحلول 2022.
وقد دعا الصندوق الفلسطينيين إلى تنفيذ إصلاحات طموحة على مدار عدة أعوام، والتعاون الوثيق بين السلطة الفلسطينية وحكومة "إسرائيل والمانحين"، والسلطة الفلسطينية في حاجة إلى إجراء إصلاحات في الإنفاق، تتمحور حول فاتورة الأجور وصافي الإقراض وإصلاح قطاع الصحة، إلى جانب مواصلة توسيع القاعدة الضريبية.
كما ذكر البيان بأن السلطة الفلسطينية تتحمل فاتورة أجور مرتفعة في القطاع العام وتنفق جزءاً كبيراً من ميزانيتها في غزة والقدس الشرقية، ولكنها لا تحقق أي إيرادات تقريباً في هاتين المنطقتين، وهذا هي النقطة التي سيناقشها المقال والمتعلقة بتأثير الإصلاحات المالية التي على قطاع غزة من خلال النقاط التي تحدث عنها التقرير.
بداية يزعم التقرير بأن السلطة تقوم بالصرف على قطاع غزة دون أن يساهم قطاع غزة في الإيرادات الحكومية، وهذا الأمر فيه تضليل لأن الرواتب التي تدفعها السلطة الفلسطينية للموظفين في قطاع غزة ونفقات قطاع الصحة تصل إلى 211 مليون شيكل شهرياً (81 مليون شيكل للموظفين المدنيين والعسكريين، 95 مليون شيكل للمتقاعدين مدنيين وعسكريين، 35 شيكل نفقات قطاع الصحة)، مع ملاحظة أن مخصصات التقاعد لمنتفعي هيئة التقاعد الفلسطينية تدفع من صناديق مالية مستقلة عن الموازنة العامة.
وعلى الرغم من عدم وجود معلومات دقيقة حول حجم الضرائب التي تحول عن واردات قطاع غزة للسلطة الفلسطينية عبر آلية المقاصة ولكن يمكن تقديرها بحوالي 150 مليون شيكل شهرياً (متوسط المقاصة 700 مليون شيكل شهرياً) لأن اقتصاد غزة يساهم بحوالي 20% من الناتج المحلي الإجمالي الفلسطيني، يضاف إلى ذلك الضرائب التي تحصلها السلطة الفلسطينية عن البنوك والشركات العاملة في غزة وبذلك يكون إجمالي الإيراد المحصل من غزة أكبر مما يتم انفاقه فعلياً على رواتب موظفي قطاع غزة.
وأعتقد أن التقاعد المبكر سيطال غالباً موظفي غزة، وسيكونوا ضحايا ما تحدث عنه وزير المالية الفلسطيني من تقليصات ستصل إلى 75% من فاتورة الرواتب الشهرية.
النقطة الثانية التي أثارها التقرير هي تقليص صافي الاقراض، حيث تقوم دولة "إسرائيل" بخصم المبالغ المستحقة لشركات "إسرائيلية" كديون على شركات فلسطينية مثل المتراكمات من فواتير تزويد الأراضي الفلسطينية بالكهرباء والمياه، والتي بلغت نهاية العام 2022 بحوالي 1.2 مليار شيكل، ولا يوجد أي معلومات حول المبالغ التي تدفعها السلطة عن غزة في هذا البند، ولكن اذا قامت السلطة بتقليصات فإن هذا الأمر سيطال قطاع غزة، فحسب ما هو منشور فإن السلطة تدفع مبلغ ٣٠ مليون شيكل للجانب "الاسرائيلي" عن تزويد قطاع غزة ب٥٠ ميجا واط كهرباء، ولا معلومات دقيقة حول ملف الكهرباء وآليات الدفع، فالكل يقول بأنه يساهم في كهرباء غزة التي تعيش عجزاً مزمناً.
أما النقطة الثالثة تتعلق بضرورة إصلاح قطاع الصحة وهنا الحديث عن التحويلات الطبية للخارج والتي اقتربت من مليار شيكل خلال سنة 2021، ولا يتجاوز نصيب غزة من نفقات التحويلات 25% من اجمالي التحويلات بعد تقليصها خلال الأعوام الماضية، وتقليص هذه التحويلات لغزة في هذا الوقت سيكون له آثاراً سلبية على القطاع المنهك.
لذلك وفي إطار ما سبق أعتقد أن على الحكومة في غزة القيام خطوتين عمليتين، الأولى تتعلق بالتعاون مع مؤسسات حقوقية مستقلة من أجل صياغة تقرير بأكثر من لغة يوضح الحقائق المتعلقة بالإيرادات التي يتم تحصيلها وفق آلية المقاصة عن غزة لصالح السلطة الفلسطينية، وكذلك رصد النفقات التي تقوم بها السلطة الفلسطينية على قطاع غزة، إضافة للحديث عن مخاطر التقليصات التي تنوي السلطة القيام بها على الواقع المعيشي في غزة ، والثانية تتعلق بإثارة هذه القضايا مع الوسطاء المختلفين والبحث عن حلول حقيقة لكهرباء غزة وكذلك التحويلات الطبية، والضغط على السلطة الفلسطينية لتحمل مسؤولياتها عن قطاع غزة وسكانه.