يواجه النظام المصري هذه الأيام معضلة سياسية واقتصادية كبرى، بعد سنوات من عجز الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي جاء للحكم بانقلاب عسكري عن الوفاء بجميع الاستحقاقات التي وعد بها المصريين قبل سنوات، وسط أزمة اقتصادية عنيفة زاد من حدتها الحرب الروسية الأوكرانية وقبلها جائحة كورونا.
وتتسارع وتيرة الأحداث في مصر بنسق غير مسبوق، وسط ارتفاع أصوات سياسية ومُجتمعية- لها وزن في الشارع- تطالب بـ تغييرات جذرية من داخل النظام بعد سنوات من تعثر السيسي في الخروج بالبلاد من الأزمة المتواصلة.
والمثير للاهتمام أن هذه الأصوات، لم تستثن أو تضع في مطالبها أي اعتبار لأي فاعل في المشهد الحالي حتى لو تعلق الأمر بـ “الإطاحة بعبد الفتاح السيسي”.
على المستوى السياسي، أصبح اسم جمال وعلاء مبارك، نجلي الرئيس الراحل الذي أطاحت به ثورة شعبية (25يناير 2011) حسني مبارك، يتصدران حديث وسائل الإعلام المحلية ومواقع التواصل منذ أشهر بالفعل.
البداية كانت بخطاب نجل مبارك من الإمارات
كان خطاب جمال مبارك– بتاريخ 17 مايو الماضي – والذي تزامن مع تواجده وشقيقه علاء في الإمارات لتأدية واجب العزاء في الشيخ خليفة بن زايد- بعد تدخل قادة الإمارات لدى السيسي من أجل السماح لهم بمغادرة مصر- بمثابة إعلان سحب البساط الإماراتي من تحت أرجل السيسي، وهو بالفعل ما أكده الأخير خلال كلمة له بمناسبة مؤتمر الاقتصاد الثلاثاء الجاري.
انطلقت حملة دعم واسعة، بعد ذلك الخطاب، عبر مواقع التواصل في مصر، لـ نجلي الرئيس الأسبق مبارك، كان عنوانها الأبرز تصدر وسم “جمال مبارك رئيسا للجمهورية” لأيام كثيرة. قبل تدخل الآلة الإعلامية لـ السيسي من أجل تغيير أصداء الشارع المصري عن مواضيع أخرى لعل الزيادة في الأسعار والضرائب أهمها.
ومن جديد، يعود جمال مبارك، لإثارة حفيظة النظام العسكري المصري، خلال حضوره تشييع جنازة محامي والده “فريد الديب”.
حيث ضجت الأصوات بهتافات داعمة لجمال بوصفه رئيسا مستقبليا منتظرا، وتحولت الجنازة إلى موكب يسير وراء نجل مبارك وكأنه “رئيس بالفعل”!.
هذه المؤشرات، اليوم بعد مرور تسع سنوات على انقلاب 2013، ورغم أن النظام بات مطمئناً لمواقف الدول الداعمة له سواء دوليا مثل الولايات المتحدة أو إقليميا شأن السعودية والامارات إلى حد ما، إلا أنها ما زالت تُشعر السيسي بالوصمة التي وُصم بها طيلة فترة حكمه بوصفه “فاشلاً غير قادر على إدارة مصر، وأن الشعب يريد التغيير ولو بإعادة نفس الوجوه القديمة”.
“11ـ11” وتصاعد مطالب الإطاحة بـ السيسي
يذكر أنه على الرغم من الدعم الكبير الذي حظي به النظام العسكري المصري بقيادة السيسي، خاصة من السعودية والإمارات على المستوى الاقتصادي، إلا أنه لم يُقدم على أرض الواقع نتائج تُذكر. عدا مزيد تعميق الفجوة بين “الغلابة” و”الأثرياء” وخلق حالة متواصلة من الاحتقان والغضب الاجتماعي داخل عشرات الملايين من المصريين الذين وجدوا أنفسهم أمام انقلاب متهالك غير شرعي، زاد في معاناتهم.
كل ذلك جعل من الأصوات المجتمعية المعارضة لـ السيسي في الشارع مسموعة أكثر من أي وقت مضى، وهو ما ترجمه الانخراط الكبير في حملة “11/11” (يوم 11 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل)، الداعية إلى تغيير النظام العسكري والاطاحة بمن أفقر وزاد معاناة الشعب المصري.
ورغم تصاعد الحديث داخل مصر وخارجها عن دعوات 11/11، إلا أن أحداً لا يعلم على وجه التحديد من يقف وراء هذه الدعوات للتظاهر والخروج إلى الشوارع، ولماذا تم اختيار ذلك اليوم تحديداً، وما هي خطة التحرك خلاله؟
يأتي ذلك، بينما لم يعلن أي حزب أو جماعة من المعارضة- رسميا على الأقل- دعمها تلك الدعوات، وتشجيعها المواطنين على المشاركة بها.
يزعم البعض أن “الإخوان” قد أعادوا مع جمال مبارك إحياء فكرة اتفاق قديم مفاده تقاسم السلطة بعد الإطاحة بـ السيسي ونظامه العسكري، كما ذكر الصحفي المصري في مؤسسة “أخبار اليوم” “ياسر رزق” في مقال له سابقا بتاريخ 22 سبتمبر 2018.
وبينما تجاهل الإخوان التعليق على تصريحات رزق المثيرة للجدل آنذاك، نفى علاء مبارك وقتها تلك “الاشاعات” واصفا إياها بـ “الهرتلة الناجمة عن سطحية التحليل” للوضع السياسي.
المثير للجدل أن نفس الأسباب الموضوعية -قمع سياسي شامل لكل صوت معارض وانهيار إقتصادي غير مسبوق وتفجر اجتماعي مُنتظر- التي ترعرت فيها الأخبار حول اتفاق الاخوان مع نجلي مبارك، تجد نفسها اليوم حاضرة وبأكثر حدة، ليطل السؤال من جديد : هل اتفق الاخوان مع نجل مبارك؟
وانخرط الاخوان بشكل كبير ورئيسي في كل التحركات الداعمة لـ الإطاحة بـ السيسي سواء داخليا أو في الخارج خلال السنوات الماضية، لكن اليوم لا يعرف إذا كانوا مشاركين بدعوات التظاهر الحالية تلك أم لا.
وتطور الأمر إلى إطلاق فضائية تحمل اسم “حراك 11/11” من أجل تغطية محلية وعالمية لكل لحظات اليوم الذي أصبح منتظرا بشدة في الشارع المصري، بدافع الفضول بعد الحديث الكبير عنه رغم عدم وضوح الرؤية.
السيسي يمتص غضب الشارع
في غضون ذلك، يُحاول السيسي استباق نسق هذا الشارع المصري الغاضب والمُتفجر، بحسب تعبير عدد من المحللين، الذي يعاني بالفعل من ويلات إقتصاد العسكر، عبر “ضخ مليارات من الجنيهات” من أجل رفع في معدل الأجر الأدنى ودعم معاشات المصريين من الطبقة الفقيرة.
حيث أعلن رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، في مؤتمر صحفي بمقر الحكومة أمس، عن تفاصيل الحزمة الجديدة، التي شملت:
رفع الحد الأدنى للأجور للعاملين بالحكومة المصرية والشركات التابعة لها من 2700 إلى 3 آلاف جنيه.
التوافق على توفير دعم مالي للأسر على بطاقات التموين حتى 30 يونيو المقبل، بشرائح تتراوح بين 100 إلى 300 جنيه.
إقرار علاوة استثنائية بمبلغ 300 جنيه شهريا لكل العاملين بالدولة وأصحاب المعاشات، بداية من نوفمبر المقبل.
اعتبر البعض أن هذه “الحزمة الجديدة” مناورة سياسية من السيسي من أجل امتصاص غضب الشارع، ولسان حاله يحكي ما قاله أيضاً الديكتاتور التونسي المخلوع “بن علي”: “أنا فهمتكم… نعم فهمتكم”.
وفي المقابل رأى البعض الآخر أن هذه “الإصلاحات” التي أُعلن عنها مساء الأربعاء، إنما كانت فقط من أجل الحصول على قرض بقيمة 3 مليار دولار من صندوق النقد الدولي، صباح الخميس (اليوم 27/10)، وفق موقع cnn.
يحاول نجلي مبارك، بدعم إماراتي على ما يبدو، وكذلك باقي الأطراف السياسية من المعارضة- جزئيا في الداخل: سامي عنان وبدرجة أكبر في الخارج: الاخوان- في هذا السياق من التطورات المصرية، إعادة التموقع داخل الشارع المصري بداية.
وذلك في محاولة لكسب ثقة اللاعب الفعلي في المعادلة المصرية (الجيش والمخابرات) وطرح أنفسهم بوصفهم “بديلا” مُرضيا لـ أحد شركاء مصر سواء الإمارات و السعودية أو الولايات المتحدة وبدرجة أقل علانية “إسرائيل”.