بدأت آليات هندسية مصرية، خلال الأيام القليلة الماضية، إجراء إصلاحات على الجدار الفاصل بين قطاع غزة في فلسطين المحتلة، ومحافظة شمال سيناء، شرقي البلاد، تمهيداً للبدء في إنشاء طريق دولي فاصل بين المنطقتين، بجهود مصرية وإشراف مصري، ضمن إطار تحسين العلاقات المصرية مع الجانب الفلسطيني في قطاع غزة، وضمن جهود رفع كفاءة شبكة الطرق الممتدة من القطاع لمصر، عبر معبر رفح البرّي.
ويأتي المشروع الإنشائي الجديد في المنطقة الحدودية الحسّاسة التي كان يسيطر عليها الاحتلال الإسرائيلي حتى عام 2005، في توقيت ازداد فيه النشاط المصري في غزة. وقد يفسّر البعض هذا النشاط كإشارة إلى رغبة مصرية بموافقة من الاحتلال على المزيد من الحضور المصري في القطاع، في المنطقة الحدودية مع الاحتلال على الشريط الساحلي، والذي بات واضح المعالم، بدلاً من الالتفافات وتغيرات التضاريس في تلك المنطقة، بما يخدم أوضاعها الأمنية، وكذلك الحال على الحدود بين سيناء وغزة.
وتعمل الآليات الهندسية المصرية على هدم وتجريف كافة الأنفاق الممتدة على طول الحدود بين سيناء وغزة، والتي باتت مهجورة منذ الانقلاب العسكري في مصر عام 2013. ويخدم ذلك الاحتلال الإسرائيلي من ناحية توقف التهريب، خصوصاً المتعلق بالزعم الإسرائيلي بأن التهريب يدعم المقاومة وإمداداتها مروراً من سيناء باتجاه غزة.
وبالإضافة إلى ذلك، تصبح صورة الحدود أكثر وضوحاً للمراقبة المصرية والإسرائيلية على حد سواء، خصوصاً في ظلّ إنشاء السلطات المصرية بعض المشاريع الجديدة في الجانب المصري من الحدود، في منطقة بوابة صلاح الدين التاريخية، التي كانت ممراً رئيسياً بين فلسطين ومصر طيلة العقود الماضية.
وفي التفاصيل، قال مصدر في اللجنة المصرية لإعادة إعمار غزة لصحيفة "العربي الجديد"، إنه سيتم البدء في إنشاء طريق دولي بعرض 40 متراً، ويمتد من شاطئ بحر مدينة رفح الفلسطينية، بمحاذاة الشريط الحدود، ويصل حتى معبر كرم أبو سالم شرق المدينة، في المثلث الذي تجتمع فيه الحدود المصرية مع قطاع غزة وكذلك مع الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948 والتي يوجد فيها جيش الاحتلال ومستوطنوه. وأضاف المصدر أن طول الطريق سيكون 14 كيلومتراً، ومجهزاً بكافة أدوات الإضاءة والمراقبة.
وأوضح المصدر ذاته أن الطواقم المصرية ستبدأ في العمل بالمشروع الجديد، فور الانتهاء من رصف طريق منطقة الواحة في بيت لاهيا شمال قطاع غزة، والذي يتوقع الانتهاء منه خلال الأسابيع القليلة المقبلة، وذلك من خلال نقل الآليات الهندسية والمهندسين إلى الموقع الجديد في مدينة رفح، للبدء في إنشاء الطريق.
وسيجري ذلك بمتابعة مع المهندسين في الوزارات الفلسطينية المختصة، ليضم المشروع ويصبح جزءاً من المنحة المصرية لإعادة إعمار غزة والتي أعلن عنها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي فور وقف إطلاق النار بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال في مايو/ أيار 2021.
خطة ومشاريع متكاملة
ويتزامن المشروع الجديد على الحدود المصرية مع قطاع غزة، مع استمرار مشروع إنشاء الطريق الدولي الرابط بين معبر رفح البرّي وقناة السويس، من دون المرور بمدن محافظة شمال سيناء. ويشق هذا الطريق مساره في الصحراء، جنوب مدن رفح والشيخ زويد والعريش وبئر العبد والقنطرة شرق، ليكون طريقاً جديداً مخصصاً لسفر الفلسطينيين نحو العاصمة المصرية القاهرة.
كما يتزامن المشروع الجديد مع استكمال مشروع إنشاء خط سكة الحديد، الذي يربط بين شرق قناة السويس وغربها، انطلاقاً من محافظة الإسماعيلية وصولاً إلى رفح، حيث الحدود مع قطاع غزة، ضمن مشروع ضخم تقوم عليه الحكومة المصرية لتحسين شبكات الطرق في شمال سيناء.
يشار إلى أن وزارة الداخلية والأمن الوطني في غزة، أنشأت في أكتوبر/تشرين الأول 2017 منطقة حدودية عازلة بين سيناء وغزة، بناءً على التفاهمات التي جرت آنذاك بين المخابرات المصرية وقيادة "حماس"، بتحسين ظروف عمل معبر رفح وفتح البوابة التجارية فيه، في مقابل ضبط أمن غزة للحدود مع سيناء بشكل كامل، من خلال نشر قوات عسكرية إضافية، وإنشاء منطقة عازلة بمسافة محددة، يمنع فيها على أي مدني الوصول إليها، وهذا ما تمّ فعلياً.
وقال باحث في شؤون سيناء، إن ما يجري على الأرض في قطاع غزة وشمال سيناء، من مشاريع ضخمة تقوم عليها الدولة المصرية، وتسعى لتنفيذها بشكل عاجل، خلال العامين الماضيين، ربما يشير إلى أن هناك خطة مرسومة ومتفقا عليها من قبل جهات دولية وإقليمية، تهدف إلى ربط قطاع غزة بسيناء، من خلال شبكة طرق ونقل، وتحسين الظروف في معبر رفح البرّي الوحيد الرابط قطاع غزة في العالم، دون سيطرة إسرائيلية فعلية عليه.
وتأتي هذه المشاريع كجزء من الاقتراحات الإسرائيلية التي سبق أن تم التطرق إليها في أكثر من محفل، كان أبرزها خلال خطة "صفقة القرن" التي طرحتها الإدارة الأميركية السابقة بقيادة دونالد ترامب.
وأضاف الباحث الذي فضّل عدم الكشف عن هويته لتواجده في سيناء، أن الاحتلال الإسرائيلي "يرى الحل الأمني مع قطاع غزة فاشلاً، وبالتالي يسعى لحلّ معضلة القطاع على حساب سيناء".
ويأتي ذلك بحسب رأيه، في ظل القيادة السياسية الحالية (في مصر)، التي "ترغب في طلب ودّ إسرائيل بغض النظر عن الآثار الاستراتيجية لذلك، وبالتالي بدأت تنفيذ خطة لتطوير شمال سيناء، عبر التوسع في بناء مشاريع بنى تحتية يمكن أن توظف في تحسين الأوضاع الاقتصادية في القطاع، وليس لصالح المصريين أهالي سيناء، الذين لا يزالون ضحايا للتهجير القسري والعنف المستمر منذ عام 2013".
وأوضح الباحث أن "الخطة الموضوعة لسيناء وغزة، تشمل تدشين ميناء بحري داخل ميناء العريش الحالي، ليُسمح برسو السفن الكبيرة التي ستستخدم في عمليات الاستيراد والتصدير لصالح قطاع غزة، وهذا ما تم فعلياً، ويجري توسعته على حساب طرد 4 آلاف أسرة مصرية من سكان المنطقة المحيطة بالميناء".
وأشار الباحث إلى أن الخطة تتضمن أيضاً "بناء مطار دولي في محيط العريش، يسمح بحركة البضائع والمسافرين من غزة وإليها، وهذا ما تمّ فعلياً بتوسيع حرم مطار العريش، بقرار سيادي صادر عن السيسي عام 2017، إلى جانب تدشين محطة لتوليد الكهرباء عبر استخدام الغاز الطبيعي، الذي يتم استخراجه من حقول الغاز المصرية في البحر الأبيض المتوسط، على أن يتم تزويد غزة وشمال سيناء بالكهرباء التي يتم إنتاجها في هذه المحطة". وفي هذا الإطار، لفت الباحث إلى أن "هذا ما تمّ فعلاً، بإنشاء محطة كهرباء في مدينة الشيخ زويد، تُسمى محطة الشلاق، والتي بدأ التشغيل التجريبي لها قبل أسابيع عدة".
يضاف إلى ما سبق، تدشين محطة لتحلية المياه في شمال سيناء، لتغطية حاجة سكّان القطاع من المياه العذبة، وهذا المشروع تم الانتهاء منه بدعم من واشنطن، إلى جانب تدشين خط سكة حديد يصل العريش بغزة، ليرتبط هذا الخط بالخط الذي يربط العريش بالقاهرة والذي يجري العمل عليه بشكل فعلي منذ عامين.
وتم تخصيص نصف مليار دولار أميركي لتنفيذ هذا المشروع، وهي قيمة المنحة التي أعلن عنها السيسي، في حين أن مصر دفعت ثمناً غليظاً للحصول على قرض من البنك الدولي بقيمة 3 مليارات دولار قبل أيام، وهذا ما يضع علامات استفهام حول وجود طرف أو أطراف ممولة للخطة التي يقوم بها السيسي بين سيناء وغزة.