27.21°القدس
26.98°رام الله
26.08°الخليل
27.54°غزة
27.21° القدس
رام الله26.98°
الخليل26.08°
غزة27.54°
الثلاثاء 15 أكتوبر 2024
4.92جنيه إسترليني
5.32دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.11يورو
3.77دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.92
دينار أردني5.32
جنيه مصري0.08
يورو4.11
دولار أمريكي3.77

خبر: الأفَّاكُـون

لا يخلو زمانٌ أو مجتمع من الأفَّاكين، الذين يحلو لهم اتهام المؤمنين والمؤمنات ظلماً وزوراً، ويطيب لهم أكل لحومهم، والخوض في أعراضهم. وهم يُصِرُّون على إفكهم، حتى بعد أن ينال المؤمنون البراءة من الله تعالى، بقرآن يتنزل، أو بشهادات العدول وأحكام القضاء، ولم يسلم من هؤلاء حتى مجتمع النبي صلى الله عليه وسلم، ولم ينج من أذاهم حتى عرضه الطاهر، فقد طعنوا زوجته عائشة، وأصرّوا على الاستمرار في قذفها حتى بعد أن برأها الله تعالى، وما يزال ملايين الأفاكين المنتسبين إلى الإسلام في عصرنا، يرمونها بالزنا، وقد قدر الله سبحانه أن تُتَّهم أطهر النساء، وتُطعن في شرفها، ليواسي أولياءه الذين لا بدّ أن يتعرضوا لأذى الأفاكين في كل زمان. وها هي أم المؤمنين عائشة تحكي قصتها مع الأفاكين، وتروي كيف تركها جيش المسلمين أثناء ذهابها لقضاء حاجتها، ظناً منهم أنها في هودجها على البعير، فتقول:" فَأَمَمْتُ مَنْزِلِي الذي كنت بِه،ِ فَظَنَنْتُ أَنَّهُمْ سَيَفْقِدُونَنِي فَيَرْجِعُونَ إليّ، فَبَيْنَا أنا جَالِسَةٌ غَلَبَتْنِي عَيْنَايَ فَنِمْتُ، وكان صَفْوَانُ بن الْمُعَطَّلِ من وَرَاءِ الْجَيْشِ، فَأَصْبَحَ عِنْدَ مَنْزِلِي، فَرَأَى سَوَادَ إِنْسَانٍ نَائِمٍ، فَأَتَانِي، فَاسْتَيْقَظْتُ بِاسْتِرْجَاعِهِ حين أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ، فوطىء يَدَهَا، فَرَكِبْتُهَا، فَانْطَلَقَ يَقُودُ بِي الرَّاحِلَةَ حتى أَتَيْنَا الْجَيْشَ... فَهَلَكَ بي من هَلَكَ، وكان الذي تَوَلَّى الْإِفْكَ عبد اللَّهِ بن أُبَيٍّ بن سَلُولَ" . وتتحدث عن كيفية علمها بالاتهام، وآلامها أثناء تلك المحنة فتقول:"فَخَرَجْتُ أنا وَأُمُّ مِسْطَحٍ...نَمْشِي فَعَثَرَتْ في مِرْطِهَا فقالت: تَعِسَ مِسْطَحٌ، فقلت لها: بِئْسَ ما قُلْتِ أَتَسُبِّينَ رَجُلًا شَهِدَ بَدْرًا؟! فقالت: يا هَنْتَاهْ أَلَمْ تَسْمَعِي ما قالوا؟ فَأَخْبَرَتْنِي بِقَوْلِ أَهْلِ الْإِفْكِ، فَازْدَدْتُ مَرَضًا إلى مَرَضِي، فلما رَجَعْتُ إلى بَيْتِي دخل عَلَيَّ رسول اللَّه، فَسَلَّمَ فقال: كَيْفَ تِيكُمْ؟ فقلت ائْذَنْ لي إلى أَبَوَيَّ، وأنا حِينَئِذٍ أُرِيدُ أَنْ أَسْتَيْقِنَ الْخَبَرَ من قِبَلِهِمَا فَأَذِنَ لي، فَأَتَيْتُ أَبَوَيَّ، فقلت لِأُمِّي: ما الذي يَتَحَدَّثُ بِهِ الناس؟ فقالت: يا بُنَيَّةُ هَوِّنِي على نَفْسِكِ...فَبِتُّ اللَّيْلَةَ حتى أَصْبَحْتُ لَا يَرْقَأُ لي دَمْعٌ ولا أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ" . وتتحدث عن تأثر أبناء الصف المؤمن بما ادعاه الأفاكون، فتقول: فَدَعَا رسول اللَّهِ عَلِيَّ بن أبي طَالِبٍ وَأُسَامَةَ بن زَيْدٍ حين اسْتَلْبَثَ الْوَحْيُ يَسْتَشِيرُهُمَا في فِرَاقِ أَهْلِه،ِ فَأَمَّا أُسَامَةُ فَأَشَارَ عليه بِالَّذِي يَعْلَمُ في نَفْسِهِ من الْوُدِّ لهم، فقال: أَهْلُكَ يا رَسُولَ اللَّهِ، ولا نَعْلَمُ والله إلا خَيْرًا، وَأَمَّا عَلِيُّ فقال: يا رَسُولَ اللَّهِ لم يُضَيِّقْ الله عَلَيْكَ، وَالنِّسَاءُ سِوَاهَا كَثِيرٌ" . وهي لا تنسى الذين لم تهتز ثقتهم بها، وظلوا حولها يشاركونها همها، فتقول: "وَبَكَيْتُ يَوْمِي لَا يَرْقَأُ لي دَمْعٌ ولا أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ، فَأَصْبَحَ عِنْدِي أَبَوَايَ، قد بَكَيْتُ لَيْلَتَيْنِ وَيَوْمًا، حتى أَظُنُّ أَنَّ الْبُكَاءَ فَالِقٌ كَبِدِي، فَبَيْنَا هُمَا جَالِسَانِ عِنْدِي وأنا أَبْكِي إِذْ اسْتَأْذَنَتْ امْرَأَةٌ من الْأَنْصَارِ، فَأَذِنْتُ لها، فَجَلَسَتْ تَبْكِي مَعِي، فَبَيْنَا نَحْنُ كَذَلِكَ إِذْ دخل رسول اللَّهِ فَجَلَسَ، ولم يَجْلِسْ عِنْدِي من يَوْمِ قِيلَ فِيَّ ما قِيلَ قَبْلَهَا، وقد مَكَثَ شَهْرًا لَا يُوحَى إليه في شَأْنِي شَيْءٌ، فَتَشَهَّدَ ثُمَّ قال: يا عَائِشَةُ: فإنه بَلَغَنِي عَنْكِ كَذَا وَكَذَا، فَإِنْ كُنْتِ بَرِيئَةً فَسَيُبَرِّئُكِ الله، وَإِنْ كُنْتِ أَلْمَمْتِ بشيء فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ وَتُوبِي إليه، فإن الْعَبْدَ إذا اعْتَرَفَ بِذَنْبِهِ ثُمَّ تَابَ تَابَ الله عليه، فلما قَضَى رسول اللَّهِ مَقَالَتَهُ قَلَصَ دَمْعِي، حتى ما أُحِسُّ منه قَطْرَةً، وَقُلْتُ لِأَبِي أَجِبْ عَنِّي رَسُولَ اللَّهِ، قال: والله ما أَدْرِي ما أَقُولُ لِرَسُولِ اللَّهِ، فقلت لِأُمِّي: أَجِيبِي عَنِّي رَسُولَ اللَّهِ، قالت: والله ما أَدْرِي ما أَقُولُ لِرَسُولِ اللَّهِ. وبثقة عالية، وكلمات واثقة لا تخرج عادة إلا من الأبرياء الواثقين بربهم وبراءتهم، قالت: " إني والله لقد عَلِمْتُ أَنَّكُمْ سَمِعْتُمْ ما يَتَحَدَّثُ بِهِ الناس، وَوَقَرَ في أَنْفُسِكُمْ، وَصَدَّقْتُمْ بِهِ، وَلَئِنْ قلت لَكُمْ إني بَرِيئَةٌ -وَاللَّهُ يَعْلَمُ إني لَبَرِيئَةٌ- لَا تُصَدِّقُونِي بِذَلِكَ، وَلَئِنْ اعْتَرَفْتُ لَكُمْ بِأَمْرٍ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي بَرِيئَةٌ لَتُصَدِّقُنِّي، والله ما أَجِدُ لي وَلَكُمْ مَثَلًا إلا أَبَا يُوسُفَ إِذْ قال:{فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ على ما تَصِفُونَ}. وتختم قصتها بتبرئة الله لها-وهي الخاتمة التي تنتظر الأبرياء الأولياء في كل زمان- فتقول: ثُمَّ تَحَوَّلْتُ على فِرَاشِي وأنا أَرْجُو أَنْ يُبَرِّئَنِي الله... فَوَاللَّهِ ما رَامَ مَجْلِسَهُ، ولا خَرَجَ أَحَدٌ من أَهْلِ الْبَيْتِ حتى أُنْزِلَ عليه الْوَحْيُ...فلما سُرِّيَ عن رسول اللَّهِ وهو يَضْحَكُ، فَكَانَ أَوَّلَ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بها أَنْ قال لي: يا عَائِشَةُ احْمَدِي اللَّهَ فَقَدْ بَرَّأَكِ الله، فقالت لي أُمِّي: قُومِي إلى رسول اللَّهِ، فقلت: لَا والله لَا أَقُومُ إليه ولا أَحْمَدُ إلا اللَّهَ، فَأَنْزَلَ الله تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ} الْآيَاتِ . فصدّق المؤمنون، وسُرّوا ببراءة أمِّهم، وكذَّب الأفَّاكون، وتكبروا، واستمروا يقذفونها. وهذا هو ديدن الأفَّاكين في كل زمان ومكان.