لا يزال شمال الضفة الغربية وتحديداً في جنين ونابلس، يُشكل حاضنة ونقطة انطلاق للعمل الفدائي والثوري الآخذ في التطور والتوسع في مواجهة سياسة الحكومة الصهيونية اليمينية المتطرفة، من خلال المجموعات والكتائب الفدائية التي تتطور بشكل سريع ومتنامي والتي بدأت تنتشر لتشمل مدن وقرى أخرى وسط التفاف شعبي وفصائلي كبير، هذا التطور يمكن ملاحظته من خلال حجم وعدد العمليات الفدائية وإطلاق النار الذي يتم تنفيذه بشكل يومي على الحواجز الصهيونية والمستوطنات والطرق الالتفافية للمستوطنين، والذي بات يشكل هاجساً أمنياً وعسكرياً للمنظومة الأمنية الصهيونية.
وفي ظل الحالة الثورية المتصاعدة بدأت تتكشف حقيقة مناقشات مؤتمر العقبة الأمني الذي عُقد أواخر شهر شباط المنصرم، والتي لم تكن سوى مناقشات وحوارات وخطط لتحقيق أهداف الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة في كبح جماح المقاومة وخاصة في الضفة الغربية، وذلك على عكس ما روجت له قيادات من السلطة الفلسطينية شاركت في المؤتمر والتي خرجت لوسائل الإعلام لتبيع الوهم على شعبها بأن لقاءات مؤتمر العقبة تأتي في إطار سعي القيادة الفلسطينية لحصار "إسرائيل " وإجبارها على العودة لطاولة المفاوضات والاتفاقات السابقة ووقف إجراءات "إسرائيل " ومستوطنيها في مناطق السلطة الفلسطينية وتحقيق مكتسبات اقتصادية، وهو الوهم الذي سرعان ما تبدد مع إراقة دماء الفلسطينيين وحرق ممتلكاتهم وارتكاب المجازر والتي كان آخرها ما حدث مساء الثلاثاء في مخيم جنين والتي راح ضحيتها ستة من الشهداء وعدد من الإصابات.
وبالنظر إلى مجريات الأحداث، فإنه لا مجال للشك أن مخرجات مؤتمر العقبة الأمني قد بدأت بالفعل لتجفيف المقاومة وانهاء الحالة الفدائية في الضفة الغربية ضمن ما سُمي بخطة" فنزل" التي طرحتها الإدارة الأمريكية والتي تهدف إلى استئصال المجموعات الفدائية في جنين ونابلس ضمن حالة توافق عربي إسرائيلي فلسطيني وبإشراف أمريكي ، وهو ما يمكن قراءته بين سطور ما صرح به أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير حسين الشيخ بقوله " أن مؤتمر العقبة يؤكد على التزام الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي بالاتفاقيات السابقة" ولاشك أن التنسيق الأمني هو أكثر الملفات التي تهم الحكومة الإسرائيلية في الوقت الحالي كونه يساهم بشكل كبير في احباط الكثير من عمليات المقاومة وتشكيلاتها المستحدثة.
وعلى الرغم من التغول الصهيوني الآخذ في الازدياد والشراسة في ارتكاب المجازر والاقتحامات والاعتقالات في حوارة ونابلس وجنين خاصة، إلا أن قوى المقاومة هناك تمثل حالة ثورية فريدة في المواجهة والتصدي وسط التفاف شعبي واحتضان فصائلي واسع، وهي حالة بحاجة لمزيد من الدعم والإسناد على كافة المستويات لمواجهة الاحتلال وأعوانه، وصولاً لتبديد أوهام المنبطحين الحالمين بكسر شوكة المقاومة والالتفاف عليها.