جاءت عملية حوارة البطولية الأخيرة لتحمل رسائل مركزة ومكثفة، في التوقيت والمكان، فقد نفذت بعد أسبوعين على تفجير منزل الشهيد القسامي عبد الفتاح خروشة، المقاتل الذي افتتح في مطلع العام موسم عمليات حوارة، بعمليته النوعية التي أعقبتها عمليات متتالية، ما بين إطلاق نار ودهس وطعن، مضافاً إليها أنماطًا متعددة من المقاومة الشعبية، في مؤشر على أهمية تطلّع أنظار المقاومين إلى هذه البؤرة الحافلة بالأهداف، وكيف أن كل التحصينات والاحتياطات الأمنية والعسكرية الصهيونية لم تنجح في إيقاف العمليات فيها، ولا جعلها منطقة محايدة عن تكرار الفعل ونوعيته.
تنفيذ العمليات في بلدة حوارة يعدّ ضربة نوعية ومباشرة للمشروع الاستيطاني الصهيوني، فحوارة في مركز هذا المشروع، وهي جزء من مربع أمني استيطاني وعسكري كبير، وفيها حركة كثيفة لجيش الاحتلال ومستوطنيه، وفوق ذلك فهي البلدة التي تم استهدافها بشراسة بعد العملية الأولى فيها، عبر هجمات العصابات الاستيطانية التي حرقت ودمرت مئات المنازل والمركبات والممتلكات، ومع ذلك ظلت البلدة بؤرة مشتعلة، تخسّر المحتل، وتؤلمه، وترد على جرائمه حتى وهي مستهدفة ومستنزفة.
مع تكرار العمليات في حوارة تسقط كل منظومة الردع الصهيونية التي تعتقد أن مزيداً من النار والدمار يمكن أن يخفف من وهج المقاومة، ويردع المتطلعين للتضحية، ولتنفيذ عمليات نوعية، فلا القتل ولا هدم البيوت ولا اجتياح المناطق الفلسطينية بات باعثاً على الخوف والتراجع، بل إن كل هذا التوحش لا يصنع شيئاً سوى تغذية عوامل الغضب ومبررات الثأر، وتدعيم إرادة المواجهة لدى النخبة المضحية التي تزداد وعياً بعقلية هذا المحتل وإدراك السبيل الأنجع للتعامل مع سياساته الإجرامية.
يبدو مشهد الحالة المقاومة في الضفة الغربية مؤخراً كأنما أعاد الفلسطيني إلى جذر القضية، قضية الشعب الأصيل صاحب الحق في مواجهة العدو الدخيل الذي ظل يجتهد منذ احتلاله فلسطين في تمييع الحقيقة، وتجريم أصحاب الحق وترهيبهم، وغرس شرعية وجوده على هذه الأرض عنوة، واستثمار كل فرصة لاستغفال المراهنين على مسار التسوية، ومد أذرع مشروعه في كل الاتجاهات، وصولاً إلى التطبيع مع عدد من العواصم العربية، ولكن وحدها المقاومة متتابعة الضربات من تبقي أصل القضية ماثلاً أمام أعين العالم، وفي مقدمتهم أهل فلسطين، وحدها من تفرض نفسها رقماً صعباً رغم كل ما تُواجَه به من سياسات ومحاولات ردع وتجريم، وحمل للناس على اليأس من جدواها أو التخوف مما يترتب عليها من أثمان.
فحين تصبح التضحية شأناً مألوفاً، وضربات المقاومة عادةً غير متوقفة، ستنحسر كثير من المخاوف تلقائيًّا، ويتبدد شعور العجز أو استحالة التغيير، وستتقدم أقدام جديدة على الطريق مستأنسة بفعل من سبقوها ومطمئنة إلى قدرتها على الإنجاز ومجابهة التحديات وتطويع العقبات.
يحدث كل هذا في حين المقاومة في الضفة الغربية مستهدفة وملاحقة ومستنزفة ومراقبة من جهتين، هما الاحتلال والسلطة، وفي حين تجتهد الجهتان أيما اجتهاد لكسر هذه الموجة وإعادة الضفة الغربية إلى وضع السلبية واللافعل، ولنا هنا أن نتخيل حجم ما ستصير إليه قدرات المقاومة وحجم منجزاتها لو أن السلطة وأجهزتها الأمنية على الأقل قد كفت عن ملاحقتها وضربها، أو غضت عنها طرفها، وجمدت فعلاً تعاونها الأمني مع الاحتلال في قهر المقاومة وتكبيل عناصرها.