فتيات أرادت أن تتفتح كزهرات في ربيع عمرهن إلاّ أنهن فقدن روح الحياة قتلاً أو اغتصاباً، وشباب أرادت أن تنعُم بخيرات بلادها لتبنى حاضرها وتؤمّن مستقبلها كانت طلقات النيران الأسرع لأجسادهم من إشراقة شمس يومهم، وأئمةُ مساجد ابتغت مرضاة الله نشراً للدعوة وعملاً بالسنة فسارعتهم ألسنة النيران تُحرق عليهم البيوت وتقضى على من يلهج لسانه بذكر الله، الزواج ممنوعٌ إلا بأمر والولادة بإذن، ومواطنون بلا جنسية مُهجرون منسيون. جزءٌ يسير من صورة تنطق ألما في كل جزئياتها، بل وصادمة لكل ما قد يتوقعه الإنسان من إنسان آخر، والحديث هنا عن فصل جديد من مأساة عمرها بعمر القضية الفلسطينية ونكبةٌ ضحاياها مسلمون وجلادوها بوذيون وشهودها مجتمع دولي لا يعرف إلا نُصرة الظالم على حساب المظلوم. مسلمي أركان - الدولة الإسلامية التي احتلتها بورما في 28 ديسمبر عام 1784م، وتعد الآن ضمن ولايات بورما الاتحادية - يُعانون الويلات تحت حكم عسكري بوذيٍ ظالم احتل أرضهم وصادر ممتلكاتهم وحرق بيوتهم، رغبةً في زرع الخوف والموت في قلوبهم ليرتّدوا عن دين الله ربهم ومحمد رسولهم، فما وهنت لهم عزيمة ولا لانت لهم قناة، وتمسكوا بدين الحق وهداية الرحمن فغضب أصحاب الأصنام وشرعوا بخطة ممنهجة لاستئصال شأفتهم والقضاء على عرقهم، فمن قتل للأنفس ونهب للممتلكات وتشريد للعباد وطمس للشعائر الدينية ومحاولة تغيير معالمهم، وإلغاء الجنسية حسب قانون صدر في العام 1982 اعتبر شعب أركان شعب دخيل وأجنبي إلى جانب الحرمان من أبسط الحقوق الإنسانية حيث أمعنت السلطات البورمية في القضاء والفتك في المسلمين هناك. وأمعنت السلطات العسكرية بسياسة هدم المساجد وسجن كل من يرمم جزء ولو يسير من مسجد لمدة 7 سنوات، حتى وصل عدد المساجد المتبقية 300 مسجد من الـ 1538 مسجد ناهيك عن إهانة العلماء وطلاب العلم وقتلهم. وحرمان المسلمين من تأدية فريضة الحج إلا لعدد محدود جداً ووفق أذونات خاصة. كما وقامت بتحديد سن الزواج للشباب المسلم ب 30 عام ومنعت الفتيات من الزواج قبل 25 ووضعت شروط معقدة للزواج وتضع قيود صارمة على الحمل والميلاد وتحديداً عدد الأسر المسموح لها بالزواج في العام الواحد بحيث لا تتجاوز الـ 20 أسرة في قرية تتكون من 2000 أسرة بهدف تقليل نسبة المسلمين في الدولة وتغيير الديموغرافية السكانية فيها. كما قامت بتشريد أكثر من مليوني مسلم من دولة أركان المسلمة، حيت يتركز أكثر من نصف مليون لاجئ في بنجلاديش، والآخرون موزعون بين ماليزيا وأندونيسيا وتايلتد وبعض الدول العربية، يعانون فقدان المأوى ونقص الشراب والطعام حيث أن تدخل المؤسسات الدولية والعربية ضعيف ولا يرقى لمستوى الاحتياج ناهيك عن منع بنجلاديش تطوير أي من المخيمات والحدّ من وصول البعثات الإنسانية للمنطقة. وغالباً ما يلجأ سكان أركان للفرار من الجحيم البوذي عبر البحر إلا أن العديد من القوارب تغرق متسببة بإنهاء حياة الآلاف منهم. كما قامت السلطات العسكرية بحرمان المسلمين من حق ممارسة التجارة والعمل ومارست بحقهم أساليب السلب والنهب وحرمتهم من حق المشاركة السياسية وتشكيل اللجان المعبرة عن أرائهم والمنادية بحقوقهم. كارثة إنسانية، وصفعة أخرى في وجهة مجتمع دولي لا يحرك ساكناً أمام جريمة عظمى من جرائم القرن، وتمثل إبادة لجنس بشري كامل، والسكوت عليه - ضمن أن الأمر شأن داخلي- دليل آخر على خذلان المجتمع الدولي للمسلمين هناك ولقضيتهم العادلة. إنّ ما يحدث لمسلمي بورما عموماً ودولة أركان المسلمة على وجه الخصوص، يتطلب وقفة جادة مع أمة تعيش ربيع مجدها بثورة شعوبها على الظلم والطغيان، ولابد للشباب العربي والمسلم أن يقول كلمته في قضايا المسلمين فما عاد السكوت يُجدي، نساء المسلمين التي تُزوج بالبوذيين تستصرخنا تنادينا فمن للمستضعفين وهم قتلى وأسرى دون أن يهتز إنسان. إن واجبنا الديني والأخلاقي يحتم علينا أن نتحرك، فلمثل هذا يذوب القلب من كمد إن كان في القلب إسلام وإيمان، ونحن مطالبون كشباب الأمة وقادة مستقبلها وبناة حاضرها أن نأخذ دورنا في ما يهمّ أمتنا حتى وإن كان خارج حدود دولتنا، وعلينا ممارسة الضغط على الحكومات وصُناع القرار للتحرك لنُصرة المسلمين في أركان. كما أن المؤسسات الخيرية في الدول العربية والإسلامية مطالبة بالتدخل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه للاجئين يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، ويجب أن يُرسل بعثات تقصّي حقائق، خصوصاُ في مخيمات اللاجئين في بنجلاديش للاطلاع على أوضاعهم والتدخل لدى السلطات الحاكمة بضرورة تسهيل وتوفير أبسط مقومات الحياة للاجئين. فحسب ما يتوفر من معلومات، تخلو المخيمات من أبسط مقومات الحياة المتعلقة بالصرف الصحي والمياه، ناهيك عن عدم وجود مساكن تؤويهم حر الصيف وبرودة الشتاء. وعلى المجتمع الدولي الضغط على السلطات العسكرية لوقف تعنّتها في التعامل مع المسلمين وإعادة الاعتبار ومنحهم حق تقرير المصير، وأني أعجب لمجتمع يتحرك لفصل جزء من السودان والمسارعة باعتراف بجمهورية جنوب السودان ولا يتحرك لنُصرة شعب محتل وأرض مغتصبة. نهاية إلى الشعب المسلم في أركان، علينا نُصرتم بما نستطيع وإن كلفنا ذلك الدماء، ولكن عليكم أن تعلموا أن ما أخذ بالقوة لا يُسترد إلا بالقوة، وأن الحق يحتاج قوم أقوياء، فكونوا على قدر تطلعات شعبكم وآمال أمتكم وانتقلوا من مشاهدة الحدث والاكتفاء بدور الضحية إلى مربع صناعة الحدث.
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.