أصبحت تركيا لاعبا رئيسيا في المشهد السوري بعد سقوط نظام الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد، ما خلق فراغا سياسيا وأمنيًا في المنطقة، مدفوعة بدعمها الكبير للمعارضة السورية، بينما تضع التحولات الجديدة الاحتلال الإسرائيلي أمام تحديات استراتيجية معقدة في ظل تغير موازين القوى في المنطقة.
وبحسب مقال نشر في صحيفة جيروزاليم بوست، أكد الكاتب ديفيد بن بيست، أن "الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أثار جدلا بتصريحاته التي تضمنت تهديدات صريحة لإسرائيل، وجاء فيها: "كما دخلنا إلى قره باغ وليبيا، سنفعل نفس الشيء في إسرائيل."، مضيفا أن "هذا التصريح أطلق في سياق سياسي يعكس طموحات تركيا الإقليمية، وتركيا بحاجة فقط إلى البقاء قوية لتحقيق أهدافها".
وجاء في المقال أن تركيا استندت إلى أدوارها السابقة في مناطق مثل ناغورنو قره باغ وليبيا لدعم حلفائها، وهو ما يجعل دعمها المعارضة السورية جزءا من استراتيجية أوسع. وانتصار المعارضة في سوريا، بسبب دعم أنقرة بشكل كبير، يشكل تطورًا كبيرًا يهدد بتغيير المعادلة الإقليمية.
وتزعم واشنطن أن المليشيات الكردية، مثل وحدات حماية الشعب (YPG) ووحدات حماية المرأة (YPJ)، لعبت دورا بارزا في الحرب السورية، خصوصا في مواجهة تنظيم داعش.. ومع ذلك، فإن تركيا تعتبر هذه المليشيات تهديدا أمنيا نظرا لارتباطها بحزب العمال الكردستاني (PKK)، الذي تصنفه أنقرة منظمة إرهابية.
وأشار ديفيد بن بيست إلى أن التدخلات العسكرية التركية في شمال سوريا هدفت إلى تقليص نفوذ الأكراد على حدودها، ما أضاف تعقيدًا جديدًا للمشهد السوري المتشابك، والمعارضة السورية المدعومة من تركيا، مثل هيئة تحرير الشام والجيش الوطني السوري، وقد شنت هجمات مكثفة ضد قوات الأسد، وأثرت أيضًا على المناطق التي يسيطر عليها الأكراد.
وفي خضم هذه المعارك، تم أسر مقاتلين أكراد وخسروا السيطرة على أراضٍ مهمة، وعلى الرغم من طموحاتهم في الحصول على حكم ذاتي سياسي، فإن الأكراد يواجهون ضغوطًا عسكرية وسياسية متزايدة من جبهات متعددة.
وتابع كاتب المقال بأن انهيار نظام الأسد يعد نقطة تحول جيوسياسية كبيرة لإسرائيل، حيث كان النظام السوري حليفا رئيسيا لإيران، ما جعله قناة حيوية لدعم حزب الله في لبنان. وسقوط الأسد يشكل ضربة لمحور إيران وحزب الله، لكنه يثير أيضا مخاوف بشأن استغلال المعارضة للفراغ الناتج.
وتشير التقارير إلى أن المليشيات الموالية لإيران التي كانت متمركزة في سوريا قد تتحرك نحو العراق، ما قد يخلق حالة من عدم الاستقرار الإقليمي. وفي الوقت نفسه، قد تسعى تركيا لاستغلال الوضع لتعزيز نفوذها في سوريا، ما يزيد من توتر العلاقات مع إسرائيل.
واعتبر الكاتب أن "إسرائيل تواجه أيضا تهديدات محتملة من الجماعات الجهادية التي قد تستغل الفوضى لإقامة قواعد قرب الحدود الإسرائيلية، خاصة في هضبة الجولان، بالإضافة إلى ذلك، فإن هناك مخاوف متزايدة من إمكانية استيلاء هذه الجماعات على مخزونات الأسلحة الكيميائية واستخدامها".
وقال كاتب المقال إن علاقات "إسرائيل" وتركيا شهدت توترات طويلة الأمد، بما في ذلك حادثة أسطول مرمرة في عام 2010. ومع التحولات الأخيرة في سوريا، يزداد القلق بشأن قرب القوات المدعومة من تركيا من الحدود الإسرائيلية الشمالية.
وفي ظل التحولات، أفادت تقارير بأن الأكراد السوريين يسعون لتأمين دعم إسرائيلي، والعلاقات الكردية الإسرائيلية ليست جديدة، إذ تعتبر إسرائيل الأكراد قوة صديقة موالية للغرب. ومع تصاعد الضغوط على الأكراد، فيبدو أنهم يسعون لضمان حمايتهم عبر تحالفات جديدة.
وفي شمال سوريا، استمرت المعارضة المدعومة من تركيا في استغلال الوضع لتعزيز مصالح أنقرة.. وهاجمت هذه القوات جيب الأكراد في تل رفعت، ما أسهم جزئيًا في تحييد "التهديد الكردي" في شمال سوريا.
واختتم كاتب المقال بأن "إسرائيل" تجد نفسها أمام واقع جديد يتطلب استعدادًا لمواجهة تداعيات التحولات في سوريا، وسقوط الأسد يمثل تحديا وفرصة على حد سواء، حيث إنه يمكن أن يؤدي إلى تغييرات استراتيجية في ميزان القوى الإقليمي. ومع تزايد نفوذ تركيا وتعدد اللاعبين في المشهد السوري، فإنه يجب على "إسرائيل" أن تضع استراتيجيات دقيقة للتعامل مع هذا الوضع الجديد.