حاكم العالم الجديد الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" يبدو أنه حتى هذه اللحظات لم يتمرّس على الحكم والرئاسة وإدارة الشعوب؛ ويبدو أنه لا يدرك أننا نعيش في عوالم جديدة متعددة الأقطاب والجبهات؛ وأن عالمنا اليوم الحديث المتطور يعيش تقدماً تكنولوجياً سريعاً في كافة المجالات، والواحد منا أصبح لا يستطيع مواكبة الأحداث والتطورات العالمية على مدار الساعة بل قل الدقيقة والثانية.
هذه الأحداث والمستجدات العالمية تحتاج إلى ساسة مهرة وصنّاع قرار من العيار الثقيل، يدركون حجم التحديات والصعوبات التي تواجههم وهم على سدّة الحكم والرئاسة، بل ويدركون حجم المخاطر الجمة ومآلات الأمور والسياسات الخاطئة التي قد تجر الشعوب إلى الكوارث وتحدث الكثير من المشاكل جراء سياسات الحكم الخاطئ والحكم المزاجي حسب ما يرتأيه الرئيس والحاكم الجديد.
هذا تشخيص بسيط لما يحدث حديثاً في الولايات المتحدة الأمريكية مع قدوم الرئيس الجديد ترامب على سدّة الحكم، الذي لم يحقق الوعود التي قطعها على نفسه في حملته الانتخابية - وأنه سيعزز دور أمريكا في العالم وسيُنمّي اقتصادها وسيغير صورة أمريكا الإجرامية التخريبية في العالم، وسيعمل على ازدهار دور الرجل الأمريكي الأبيض في العالم ويجعله نموذجاً (السلام والعمل والمثابرة). ولكن يبدو أن أعوام الرئيس "ترامب" الأربع وسنواته ستكون عجافاً وظلامية على بلاد العم سام، وستنتج سياسات ترامب التعسفية المزيد من الدمار والخراب في أمريكا والدول التي تسير في فلكها.
لقد شاهد العالم كله عبر الكاميرات والشاشات ومواقع التواصل الاجتماعي (وهذه سابقة في التاريخ) كيف تستقبل أمريكا ضيوفها من رؤساء العالم وكيف (تكرمهم)، بل توبخهم وتنهرهم وتطردهم شر طردة، بل تتجمّل عليهم بأنها تدفع لهذه الدول الكثير من الأموال والأسلحة وصواريخ التدمير ومعدات وأنظمة النووي والتخريب الحديثة. هذا ما يبدو واضحاً للعالم وسياسة وملامح الحكم (الترامبي) الجديد للعالم، بل والخطوط العريضة للمرحلة الجديدة.
الرئيس الأمريكي ترامب يقول للعالم اليوم - وداعاً لعصر الحقوق والحريات والسلام والديمقراطية والمبادئ السامية، ويشدد على أن سياسة العصا والنار هي الخطوط العريضة لحكم العالم وإدارة الشعوب، ولن تقدم (أمريكا) "خدمة" لأحد دون فروض الطاعة والولاء وتقبيل الأيدي للعم سام.
هذه السياسة تبدو واضحة وجلية عندما علت الأصوات وارتفعت أمام الصحفيين في المكتب البيضاوي الأمريكي وصرخ الرئيس ترامب ونائبه عالياً لتوبيخ الرئيس الأوكراني "فلاديمير زيلينسكي"، الذي لم يرضَ على نفسه هذا الموقف الحرج أمام العالم وهو (البطل الأوروبي في مواجهة روسيا وأطماعها في أوروبا) - لم يرضَ زيلينسكي على نفسه هذا الموقف الضعيف وصرخ في وجه الرئيس الأمريكي ونائبه رافضاً الشروط والإملاءات الأمريكية عليه مقابل وقف الحرب مع روسيا. بل إن زيلينسكي يدرك أنه صوت القارة الأوروبية، وأنه إذا رضخ للإملاءات والمطالب الأمريكية، فسيفتح الأمر شهية أمريكا على الاحتلال والاستيطان في القارة الأوروبية وسرقة ونهب ثرواتها وخيراتها من ذهب ومعادن ووقود وغاز وبترول.
هذه المعادلة الخطيرة هي هدف مقابلة الرئيس زيلينسكي في البيت الأبيض وابتزازه بهذه الصورة العلنية الوقحة بل والمخالفة لكافة الأعراف والمراسيم والتقاليد الرسمية الدبلوماسية المتبعة بين دول العالم في استقبال الرؤساء والوفود الرسمية.
إن ما حدث مع الرئيس الأوكراني زيلينسكي عبر وسائل الإعلام يقصده الرئيس الأمريكي ترامب، بل هي رسالة وجهها ترامب لكل زعماء ورؤساء العالم مفادها: سأحكمكم (بالدم والنار إن لم تسمعوا كلامي). بل إن ما حدث في لقاء ترامب زيلينسكي اختراق كبير لكافة المراسيم والأعراف والتقاليد الدولية والاجتماعية، وقل ما تشاء في إساءة إكرام الضيوف واستقبالهم من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، بل إن الأمريكيين أنفسهم يرفضون ما حدث في استقبال ضيف أمريكا زيلينسكي. بل ما حدث سيجر على أمريكا الكثير من المشاكل الدبلوماسية، بل وأساء صورة أمريكا في القارة الأوروبية.
مما لا شك فيه أن حرب روسيا أوكرانيا ووقف هذه الحرب كما وعد (ترامب) مهمة لم تكن سهلة أمام الإدارة الأمريكية الجديدة، بل ستبذل جهداً كبيراً وربما لن تنجح فيها بحسب الظروف والمعطيات الميدانية، لكنها قد تؤثر على إدارة أمريكا للملفات والجهات الأخرى، وأبرزها ملفات الشرق الأوسط الساخنة والجبهات المتعددة الأخرى، وأبرزها الصراع الفلسطيني الإسرائيلي والقضية الفلسطينية ومستجداتها الميدانية (على مدار الساعة)، خاصة الظروف الجديدة التي فرضتها حرب الإبادة الجماعية الأخيرة على قطاع غزة، والفشل الإسرائيلي الذريع في هذه الحرب، بل والخسائر الأمريكية الكبيرة في هذه الحرب الإجرامية الفاشية. بل ويوجد تحديات ومخططات أخرى للرئيس ترامب تتمثل في مواصلة تنفيذ المخططات الأمريكية السابقة للمنطقة العربية وعلى رأسها صفقة القرن