18.34°القدس
18.1°رام الله
17.19°الخليل
20.91°غزة
18.34° القدس
رام الله18.1°
الخليل17.19°
غزة20.91°
الثلاثاء 01 ابريل 2025
4.8جنيه إسترليني
5.24دينار أردني
0.07جنيه مصري
4.02يورو
3.72دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.8
دينار أردني5.24
جنيه مصري0.07
يورو4.02
دولار أمريكي3.72
د. أسامة الأشقر

د. أسامة الأشقر

رحل اللواء!

 هو جَبرٌ، وهو أبو عليّ، وابن علي عمّار المقاتل الذي ارتقى في عام 48 ذائداً عن بلدته.

 رجلٌ جَهير الصوت، تسمعه من بعيد، سريع الخطو، آسِر الملامح، مفتول الأعصاب، مشدود القامة، كأنه الرمح الناصب، يطلّ عليك بجلبابه النظيف، وطاقيّته البيضاء، ولحيته المنسدلة التي اشتعل فيها الشيب.

يشدّك من كتفك، ويضغط على قبضتك، ويصوّب ناظريه إليك ببريقٍ ساحر، ويصرخ بكل قوّة: سنعود، سنعود، وسنقاتلهم، ونهزمهم، واللهِ لن نتركهم، وسنصلّي هناك رغم أنوفهم!

ثلاثون عاماً وأنا أستمع إليك، كنتَ تحمل تاريخاً لا ينكسر، كتبتُ الكثير مما قلتَه، ونسيتُ الكثير، لو كنتُ أملك حينذاك أن أستضيفك في "بودكاست" طويل لفعلتُ، وكنّا سنسمع منك عجائب المقاتلين، وحكايات السجون الأولى، وبواكير الصحوة.

 كنتَ شاهداً على محطات غالية في حياتي، أوّل ما عرفتُك كنتَ عقيداً على مِلاك جيش التحرير، وأعلم أنّك ترقّيتَ إلى رتبة لواء، وأعلم أنّك لم تخضع لهم بالقول، وأنّك أوذيتَ من أرباب التسويات وتجار المفاوضات حتى قطعوا عنك مستحقاتك بعد عودتك، ونعلم أنّك كنتَ صادقاً لم تزايِد يوماً، ونعلم أن دم والدك في بيت دراس كان يطلبك إلى جوار ثأره.

 رأيتك تعود إلى مقاعد الدراسة وأنت في نحو السبعين من عمرك وتنال البكالوريوس في الشريعة من جامعة إفريقيا العالمية، ثم الماجستير، وكنت عازماً على الدكتوراه.

 بعد ارتقاء ابنته عائشة رحمها الله كان مصاباً إصابة صعبة وكذلك زوجه الصابرة الحافظة أم عليّ، وعاشا في خيمة في ظروف قاسية جدّاً، ورغم أن بعض الأفاضل الكرماء ممن حاول تقديم المال له إلا أنه كان يأبَى بشدة، وكل ما قبِله هو غاز وقود لعدم توفره؛ وظلّ صابراً حتى أصيب إصابة بالغة في القصف يوم 18 رمضان ليرتقي بعدها بأيام في ليالي العشر. 

 لا أدري كيف كانت تأتيك الثقة بأنّك سترتقي في الميدان، وأن سلاحك سيعود إليك، وستقاتل بشرفٍ، ولكننا رأينا جميعاً كيف أعادك الله إلى وطنك بعد غربة طويلة، وكيف ارتقت ابنتك عائشة أول الطوفان، وكيف ساقك الله إلى ما تحبّ لتنال ما ترضى، وأنتَ الثمانينيّ الجليل المهيب، وعلِمنا كيف ركَزَ أحبّاؤك رفاتَك في الرمال لواءً، يستنهض الوادي صباحَ مساءَ

 رحمك الله أبا عليّ، فلعلّك الآن في المحلّ الذي كنتَ ترجوه في مقعد صدق بعد أن نلتَ ما تتمنّى. 

المصدر / المصدر: فلسطين الآن