19.68°القدس
19.37°رام الله
18.3°الخليل
24.35°غزة
19.68° القدس
رام الله19.37°
الخليل18.3°
غزة24.35°
الإثنين 14 أكتوبر 2024
4.91جنيه إسترليني
5.31دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.12يورو
3.76دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.91
دينار أردني5.31
جنيه مصري0.08
يورو4.12
دولار أمريكي3.76

خبر: إعلام الأزمة الفلسطيني!!

حين أقلب محطات التلفاز صباحاً أجد الصبغة العامة للبرامج الصباحية صبغةً ترفيهيةً، والمواضيع المتناولة مواضيع خفيفة تقدم للمشاهد جرعةً تفاؤليةً في مستهل يومه وتخرجه من نكد الواقع لكن حين أصل إلى المحطات الفلسطينية لا أجد فيها سوى أخبار الموت والأحزان والمآسي والانقسام وغير ذلك من المفردات التي تشبعنا بها منذ أن ولدنا.. أما أحد الإخوة الإعلاميين فقد قال لي إنه عاكف على إنجاز عمل درامي لشهر رمضان قلت له: ماذا ستسميه، قال لي : مسك الجراح أو رائحة الدم!! لا يسعني أن أتجاهل الأسباب الموضوعية التي أنتجت هذا الإعلام الذي يتخذ من أحاديث الموت والجراح والمآسي محور تركيزه، فحياة الفلسطينيين مسلسل متواصل من أخبار القتل والأسر والهدم والحصار والفقر وغير ذلك من مفردات المعاناة، لكن حين تكون المعاناة متواصلةً منذ أكثر من خمسة وستين عاماً وليست حدثاً عابراً يستمر بضعة أيام أو أسابيع أو أشهر فإننا لا نستطيع أن نظل أسرى للون واحد طوال حياتنا ولا بد من التمرد على مرارة الواقع ومجاهدته وانتزاع فرص للفرح والتفاؤل من بين أنياب الموت.. إعلام الأزمة من شأنه أن يرسخ مشاعر السلبية والإحباط في نفوس الناس فيعطل قدراتهم على الانطلاق وصناعة الحياة، في إعلام الأزمة تصبح النفوس مشبعةً بالتشاؤم فلا تعود صالحةً لصناعة الحياة، وحينها سنفشل في التواصل مع العالم وإيصال رسالتنا إليهم لأننا نتحدث لغةً مختلفةً وشاذةً، فمثلاً في الإعلام الفلسطيني نعتقد أن صور الأشلاء الممزقة يعد مشهداً مؤثراً فنسارع إلى توزيع هذه المشاهد على وكالات الأنباء العالمية ظناً منا بأنها ستستثير التعاطف العالمي معنا، لكن ما يحدث هو أن الصور المبالغ في فظاعتها وقسوتها تزهد الناس في المتابعة والاهتمام لأن نفوس البشر مجبولة على حب الحياة وعلى الرغبة في تجاوز الأحزان والمآسي فلا يطيق المشاهد الذي نشأ في ظروف طبيعية أن يظل أسيراً لمشاهد العنف والقسوة، وربما كانت صورة طفلة تبحث عن حقيبتها في الركام، أو طفل يرسم صورة أبيه الشهيد أكثر تأثيراً من صور الأشلاء الممزقة.. الحديث المعتدل عن جانب المأساة يحدث أثراً إيجابياً فهو يحرضنا على عدونا ويذكرنا بالتكلفة الباهظة التي سنظل ندفعها ما دام الاحتلال جاثماً على صدورنا ويستفزنا لمقاومته، لكن الإفراط في هذا الجانب وشحن النفوس المتواصل بأخبار المعاناة سيقلب النتيجة إلى عكسها إذ إنه يخلق في النفوس حالةً سلبيةً، ويصيب المشاهد بالبلادة ويكبله بمشاعر الإحباط والعجز، ويخلق لديه نظرةً متشائمةً تفقده الرغبة في المواصلة والتحدي والانتصار.. إن الشحن السلبي المتواصل يأتي بنتائج عكسية خلاف ما نظن من أنه يبقي المواطن في حالة استنفار وطني... في الإعلام الإسرائيلي نلمس حرصاً على إبقاء الجبهة الداخلية في حالة إيجابية، فحين يكون هناك خبر سلبي متمثلاً في عملية فدائية أو كارثة طبيعية فإن هذا الخبر لا يحتل سوى حيز محدود من تغطية الإعلام الإسرائيلي، وغالباً لا تتجاوز تغطيته المساحة المخصصة لنشرات الأخبار ثم يواصل الإعلام بعد ذلك برامجه الاعتيادية من أغنيات وترفيه وذلك حتى لا يبقي جمهوره في الحالة السلبية التي تسببها هذه الأخبار. هذا الأسلوب وإن كان صعب التمثل حرفياً كون منسوب التضحية عندنا أعلى بكثير مما هو عندهم، إلا أنه يمكن الاستفادة منه فلسطينياً عبر تخفيف حدة خطاب الألم، وإفراد مساحات أوسع لتعزيز إرادة الحياة ومشاعر التفاؤل تجاهها.. أعجبني رد الفنان نبيل الخطيب حين سألته عن سر تغيير اسم فرقته المشهورة بفرقة الشهداء إلى اسم جديد هو فرقة النشامى رغم ما للاسم الأول من عراقة وتاريخ فقال لي: إن الناس مشبعون إلى أقصى حد بخطاب الألم والحزن فلا بد من خطاب جديد.. إن الخروج من إعلام الأزمة ليس خيانةً لدماء الشهداء ولا تنكراً لجراحات الشعب الفلسطيني كما قد يتوهم، بل إن تجاوزه هو الذي سيمدنا بالطاقة اللازمة للمواصلة لأن الإنسان لن يتمسك بالدفاع عن الحياة والانتصار فيها إلا حين تقوى فيه إرادة الحياة وتتعزز في نفسه مشاعر التفاؤل تجاهها