25.06°القدس
24.03°رام الله
24.42°الخليل
25.25°غزة
25.06° القدس
رام الله24.03°
الخليل24.42°
غزة25.25°
الجمعة 11 أكتوبر 2024
4.92جنيه إسترليني
5.32دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.12يورو
3.77دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.92
دينار أردني5.32
جنيه مصري0.08
يورو4.12
دولار أمريكي3.77

خبر: "صقر القسام" و"أم الجماهير".. أعراس غزّة تنعى "الوحدة"!

الحمد لله على لطفه، بأن أنزل الحكمة على العروسين اللذين كانا يحتفلان بزفافهما في إحدى صالات الأفراح بمدينة غزة، فلو لا مشيئة الله ثم استدراكهما للمشكلة لتحولت صالة الفرح إلى حلبة للقتال تتعارك فيها النسوة اللواتي التففن حول كل من "أم العريس" من ناحية، و"أم العروس" من ناحية أخرى. أن تنشب خلافات كهذه بين أهالي العروسين حالة اعتاد الشعب الفلسطيني أن يسمعها، لكن المستغرب أن عدداً منها بدأ ينشأ لأسباب سياسية، ففي المشكلة التي أسلف ذكرها تلاسنت أم العروس "الحمساوية" مع أم العريس "الفتحاوية" بالكلمات على خلفية تشغيل أغنية "أم الجماهير" في الصالة. وتعكس هذه الحالة والتي نسميها "تسييس الأفراح" مدى تأثر الأعراس الفلسطينية بالواقع السياسي المحيط بها، فعقب النكبة كانت الأعراس بأغانيها ورقصاتها الشعبية الفلكلورية تعبر عن ارتباط الفلسطينيين بالأرض وتمسكهم بحق العودة، كما كانت تغرس فيهم الأمل بانفجار الثورة التي ستعيدهم لديارهم. حتى بعد النكسة واحتلال ما تبقى من الأرض ظلت الأعراس تقوم بدورها الوطني، بل برزت كأحد أهم الأنشطة الإعلامية المتاحة في قطاع غزة إلى جانب المهرجانات، والمنتديات الثقافية والكتابة على الجدران، في ظل مضايقات الاحتلال للصحافة الفلسطينية من إغلاق وسحب تراخيص، وإخضاعها لأنظمة الطوارئ. واستغلت هذه الوسائل الحركة الإسلامية التي بدأت تستعيد حركتها بعد غياب النظام المصري عن غزة والذي تعامل معها كما تعامل مع نظرائهم في مصر، فأوجدت فرق الأفراح الإسلامية، التي اعتبرت بالنسبة لها إحدى أهم وسائل الاتصال بالجماهير. ومع اندلاع الانتفاضة التي جبلت بدماء الشهداء أصبح الأقارب يستذكرون أحبابهم الذين قضوا على درب الحرية، فأصبحوا يعلقون صورهم في مكان العرس إكراما لهم، وكان العريس يحمل الصور وسط أغاني "سبل عيونه ومد ايده يحنونه". وظلت الحركات الإسلامية حتى بعد انتهاء الانتفاضة وقدوم السلطة الوطنية تهتم بهذا النشاط، وكان الفنان الكوميدي "نبيل الخطيب" يقدم مسرحياته الساخرة المرتبطة بالواقع السياسي، وكانت الجماهير الفلسطينية تحرص على حضور هذه الحفلات التي كانت تبدو بما فيها من مظاهر، كأنها مهرجانات تنظمها حركة "حماس" التي كانت محظورة في تلك الفترة. ومع شرارة انتفاضة الأقصى توقفت الاحتفالات لأكثر من عامين وذلك "إكراما للشهداء"، ثم بدأت تعود تدريجيا إلى الشوارع لكنها بدت تبدوا وكأنها مناسبة يعلن فيها العريس عن تنظيمه السياسي، حيث بدأت تتزين إما بالرايات الخضراء، أو الصفراء، أو الحمراء حسب الانتماء السياسي للعريس وأهله، وكذلك الحال بالنسبة للأغاني التي تشغل في الأفراح، وصار يحضرها قائد من التنظيم الذي يتبع له العريس ويلقي كلمة في هذه المناسبة. واليوم وخاصة بعد الانقسام الذي جرى في غزة، أصبح التنظيم السياسي لاعبا أساسيا في عملية الزواج، وبدأنا نرصد ظاهرة "أحزبة الأعراس"، فعندما يتقدم العريس لخطبة الفتاة أصبح "انتماؤه السياسي" أول ما يسأل عنه، وسجلت حالات كثيرة لعائلات رفضت تزويج فلان لأنه غير منتم للتنظيم الذي يؤيدونه. فهذا الحال ليس غريبا على شعب يورث الانتماء السياسي لأبنائه، بل تجد "الحمساوية" أو "الفتحاوية" أو "الجبهاوية" تتخذ من مناسبة المهرجان المركزي لحركتها فرصة للبحث عن شريكة حياة ابنها لتتيقن من انتمائها السياسي، ومن أجل إقامة عرس فصائلي بامتياز. ولم يقف عند هذا الحد بل تجد اليوم يكتب على جدران منزل العريس حركة (...) تهنئ العريس (أي تنظيمه السياسي)، أو تدعو الناس بالنيابة عنه لحضور حفل زفافه، وتجده في الدعوات التي تعلق في الأماكن العامة كالمساجد، والأندية، ووصل الحد في بعض الشباب أن يضع صور الرموز السياسية على بطاقة الدعوة، وأبيات من الشعر لتنظيمه. واليوم بسبب الوضع الذي خلفه الانقسام يتحرى الشاب المقبل على الزواج أن يستعرض للحضور تنظيمه السياسي، فالأعلام الفصائلية احتلت مكانا بارزا في حفلات الشباب، وغزت سيارات "الزفة" التي يتنقل بها العروسان، وحتى "الكوشة"، بل في عدد منها تعلق فيها صور لرموز سياسية. وقبل الانقسام لم تكن مظاهر الحزبية قد غزت تجمعات النساء في الأفراح، لكنها اليوم حضرت بكل قوة فالعروس تتوشح بالعلم الفصائلي وترقص به مع "أم الجماهير" أو "ما يهاب الموت"، وتجد النساء يكايدن قريباتهن من الطيف السياسي المخالف، وأحيانا تتحول الصالة إلى ساحة للمبارزة بين "الحمساويات" و"الفتحاويات" اللواتي سرعان ما يهبن للاحتفاء فور سماع الأغنية "التظيمية"، حتى "يقهرن" خصومهن السياسيات، ضاربات بعرض الحائط أحد الأمثال الشعبية الضابطة للأعراس الفلسطينية "يللي بدو يصاهر ما بيقاهر". إن هذه التصرفات أوجدت نوعا من القطيعة بين الأقارب، فبدلا من أن تحافظ هذه الأعراس على اللحمة والنسيج الاجتماعي باتت ساحة للتجاذب الفصائلي، فاليوم كثير من الأقارب لا يشارك قريبه الذي يخالفه سياسيا في الزفاف حتى لا يستفز من المظاهر الحزبية. ومع أن للعروسين كامل الحرية الشخصية في تنظيم الأفراح ومراسمها إلا أننا أصبحنا بحاجة إلى وجود أعراس خالية من الحزبية، حرصا على مشاعر الأقارب سيما وأن البيت الفلسطيني الواحد مشكل بألوان الطيف السياسي. إن "أحزبة أفراحنا" أفقدت أعراسنا رونقها الوطني وسلبت رسالتها الاجتماعية، وإذا كانت هذه الأعراس في السابق "الآلة" التي تغزل نسيجنا الاجتماعي القائم على ثقافة الوحدة وتقبل الآخر والشراكة، غدت "آلة" تكرس مزيدا من ثقافة الإقصاء والاصطفاف الفصائلي التي تولد القطيعة الاجتماعية وتعكر أجواء المصالحة. فهذه "الآلة" التي أعطبها الانقسام هي اليوم بحاجة إلى إصلاح، لكي تنتج خيوطا متينة تحافظ على تماسك المجتمع، لكن ذلك لن يتم إلا بتحرير الأعراس من المظاهر الحزبية التي غزت كل مراسيمها، فنحن بحاجة إلى حملة وطنية عنوانها "عرسي للجميع" لا نحرم فيه من يخالفنا سياسيا مشاركتي فرحة العمر.