23.27°القدس
23.01°رام الله
21.64°الخليل
27.55°غزة
23.27° القدس
رام الله23.01°
الخليل21.64°
غزة27.55°
الثلاثاء 30 يوليو 2024
4.78جنيه إسترليني
5.24دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.02يورو
3.72دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.78
دينار أردني5.24
جنيه مصري0.08
يورو4.02
دولار أمريكي3.72

خبر: دمل في مؤخرتهم

نحن الفلسطينيين مساكين، ونحن أبناء غزة غريبون، نحمل هموم الوطن العربي من المحيط الى الخليج، نتسمر منذ سنوات أمام شاشات التلفاز نتابع أخبار الهزائم والثورات العربية، نغضب ونتعصب، ونشمت في بعضنا البعض لفوز هذا الفريق أو خسارة ذاك ابتداء من تشجيع ريال مدريد وبرشلونه، وصولا إلى الانقسام حول انقلاب السيسي على مرسي. نحتشد شعوريا في ميدان التحرير، ونزحف بقلوبنا الى ميدان رابعة العدوية، بعدما نزفت دماء عيوننا مع نزيف الدم السوري في درعا وحمص وحماة ودمشق. مشكلتي أني فلسطيني أعيش كل يوم رحلة الإرهاق والقهر والغضب وحرق الأعصاب أمام التلفاز، وفي لحظة اشتبك مع نفسي حول جدوى هذا الاهتمام بما يجري حولنا، فأقرر مغادرة هذه الشاشة الملعونة التي جعلتنا نسهر حتى الفجر نرصد كل حركة، كل مسيرة واعتصام، بينما تطارد عيوننا الشريط الاخباري، بحثا عن خبر "يبل الريق" على اعتبار أنني مشجع لأحد فريقين. وبمجرد أن أغادر الميادين الفضائية، يصيبني حكاك الإدمان الإخباري، وسرعان ما تجحظ عيناي أمام شاشة أخرى وقد وقعت فريسة في شبكتها العنكبوتية، بعدما تحول الفيسبوك وتويتر إلى ساحات مواجهة ساخنة لمتابعة الأحداث والتفاعل معها، وتستفزك الصورة والتغريدة والتعليق، فتجد نفسك تستل لسانك من غمده وتشارك في التفاعل، تهاجم وتصد، بينما يغلي الدم في العروق. وفي غمرة الأحداث تنسى من حولك، الزوجة تتأفف، والابناء يتحاشوا صراخك، كوب الشاي ينتظر حتى يبرد، وتأكل دون أن تشعر بالجوع أو الشبع. ثم أتوقف فجأة وأسأل نفسي هل كل باقي المواطنين العرب يكتوون بنار الأحداث مثلنا، وأبحث عن السر في هذه التركيبة الفلسطينية العجيبة، التي تجعل الواحد منا يصبح سوريا ويمسي مصريا، ينام ثوريا ويستيقظ انقلابيا، يرفع أعلام عربية وإسلامية ويحرقها في اليوم التالي، يراهق يساريا وفي الشباب قوميا، وعند الكبر يتحول إسلاميا. ثم تذكرت أننا تربينا على آلاف الخطابات التي ألقاها القادة والزعماء العرب حول تحرير فلسطين، ومناسباتها، منذ اغتصابها حتى الآن، فتجرعنا هزائمهم بينما احتفظوا بأوسمتهم. وانتقلنا من خيام اللجوء في العواصم العربية، إلى خيام الثورة في ميدان التحرير، إلى خيام المغدورين في رابعة العدوية. وبعد أن كنا أول الثائرين، أصبحنا نصفق لثوار الميادين، واستبشرنا بالمد الوحدوي، والنقاء الثوري، والتلاحم مع الشعوب والجماهير. ثم صرنا نهتف بحنجرتين وصوتين: عاشت الثورة، انتكست الثورة - يحيا السيسي، يسقط السيسي- جاء الإخوان، طار الإخوان- افتحوا المعبر، أغلقوا المعبر. ثم اكتشفت أخيرا لماذا يحاربوني، ويطردوني من عواصمهم، ويرحلوني من مطاراتهم، ويحاصروني بأموالهم، ويشوهوني بإعلامهم، كل ذلك لأني قضية تهدد أنظمتهم، وتحرض شعوبهم، وتسقط أقنعتهم، لأني مثل الدمل في مؤخرتهم، يؤلمهم ولا يجرؤون على أن يشتكوا. اللهم إني صائم.