25.52°القدس
24.93°رام الله
24.39°الخليل
26.32°غزة
25.52° القدس
رام الله24.93°
الخليل24.39°
غزة26.32°
الإثنين 14 أكتوبر 2024
4.91جنيه إسترليني
5.31دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.12يورو
3.76دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.91
دينار أردني5.31
جنيه مصري0.08
يورو4.12
دولار أمريكي3.76

خبر: حدث في مثل هذا اليوم.. {معركة بلاط الشهداء}

في التاسع من رمضان، لعام 114هـ، انتهت معركة بلاط الشهداء ، التي وقعت في الأراضي الفرنسية، بين مدينتي تور وبواتييه، بعد نحو عشرة أيام من القتال بين الجيش الإسلامي الذي قاده عبد الرحمن الغافقي، والجيش الفرنجي الذي قاده شارل مارتل، حيث اضطر المسلمون للانسحاب دون أن يحققوا النصر، بعد أن فقدوا قائدهم، ووالي الأندلس عبد الرحمن الغافقي، وعدداً كبيراً من الشهداء . وقد تحدثت مصادرنا الأندلسية عن هذه المعركة باقتضاب شديد، وكل ما جاءت به كان على الأغلب نقلاً عن مؤرخ الأندلس ابن حيان، ومن ذلك قول المقري أن الغافقي:" غزا الإفرنج فكانت له فيهم وقائع جمَّة، إلى أن استشهد، وأُصيب عسكره في شهر رمضان سنة أربع عشرة ومائة، في موضع يعرف ببلاط الشهداء" . ويبدو أن سبب الاقتضاب هو: أنّ ما جرى لم يكن هزيمة ساحقة تستحق التفصيل، كما صورتها المصادر الأجنبية، وذلك لأن المسلمين وحسب الروايات المختلفة اختاروا الانسحاب الآمن في الليل، ولأن الفرنجة لم يجرءوا على ملاحقتهم بعد أن لاحظوا في الصباح خلو الميدان منهم، خشية أن يكون الانسحاب خدعة، ولو كانت الهزيمة ساحقة، لهرب المسلمون أثناء القتال، ولقام الفرنجة بملاحقتهم، ولأعملوا السيوف في رقابهم ، ثم إن الروايات تؤكد أن الجيش الإسلامي المنسحب قد هاجم في طريق عودته العديد من بلدات النصارى، وقام بتخريبها، ولا يملك الوقت والقدرة على ذلك منهزمون فارون، أما بخصوص استشهاد القائد عبد الرحمن وعدد كبير من جنده، فإنه لا يدل على هزيمة ساحقة، فقد استشهد في معارك سابقة بأرض الفرنجة العديد من القادة الولاة، أمثال السمح بن مالك الخولاني الذي استشهد في رمضان سنة 102هـ ، وعنبسة بن سحيم الكلبي الذي استشهد في شعبان سنة 107هـ . أما المصادر الأجنبية، فقد أسهبت في الحديث عن هذه المعركة، وبالغت في تضخيمها، وعدتها معركة فاصلة، وانتصاراً كبيراً ، لأنها المرة الأولى التي يصمدون فيها في وجه الجيوش الإسلامية منذ أن بدأ الفتح الإسلامي للأندلس سنة 92هـ، ولأن أوروبا كلها كانت ترتجف من الجيش الإسلامي الزاحف نحو قلبها، ولذلك فإنهم عدّوا مجرد إجبار هذا الجيش على الانسحاب نصراً ساحقاً مؤزراً، استحق أن يسجلوه، ويبالغوا في تصويره من خلال روايات أسطورية بعيدة عن الحقيقة. ومن المبالغات الخيالية التي جاءت بها المصادر النصرانية، ولا يمكن قبولها، أن سبب هزيمة المسلمين هو: 1- النزاع بين العرب والبربر في الميدان، وقد أطلقوا هذا الاتهام، دون أن يأتوا بأية تفاصيل، وأنى لهم أن يعرفوا تفاصيل داخلية عند المسلمين، والمسلمون أنفسهم لا يعرفونها، إذ لم تشر إليها المصادر الإسلامية . 2- انشغال المسلمين بالغنائم الضخمة التي حملوها معهم، وكانت خلفهم، في ميدان المعركة، وأن المسلمين كانوا منتصرين، لكن نصرهم تحول إلى هزيمة عندما التف الفرنجة من خلفهم متظاهرين بأن هدفهم الغنائم، فانبرى المسلمون للدفاع عن غنائمهم، فاختلت صفوفهم، وقتل قائدهم، وهزموا . وسبب رفضنا لقصة الغنائم أن هذه الروايات تتناقض مع نفسها، فهي تتحدث عن حرص للمسلمين على الغنائم، وعن انسحاب آمن، لكنها تتحدث عن جيش يترك غنائمه كما هي، فلو كان حريصاً عليها، لحملها معه مستغلاً انسحابه الآمن، كما أنه لم يعهد على المسلمين في حروبهم الكثيرة في الأندلس، أنهم حملوا الغنائم معهم أثناء القتال، فكيف يحملونها وهم خارج الأندلس، وفي وسط أمم النصارى. والأسباب التي يمكن قبولها لاضطرار المسلمين للانسحاب هي: 1- وجد المسلمون أن تحقيق النصر بعد استشهاد الغافقي أمر صعب، خصوصاً وأنهم لم يجتمع أمرهم على خليفة له. 2- وجد المسلمون أنفسهم في مواجهة جيش ضخم يفوق عدد جنوده أضعاف عدد جنود المسلمين، إذ حشدت فيه أوروبا الفرنجة والجرمان وعصابات مرتزقة متوحشة من أمم شمال أوروبا . 3- بعد المسلمين عن عاصمتهم قرطبة بمسافة تزيد على الألف كيلومتر ، وعدم وجود قاعدة آمنة قريبة منهم، وهذا يصعَّب وصول الإمدادات إليهم. 4- التعب والإرهاق الذي أصاب المسلمين بعد أن قطعوا مسافة كبيرة إلى أن وصلوا إلى هذا المكان، وبعد عشرة أيام من بدء القتال. 5- كثرة الأمطار والأوحال والصخور في أرض المعركة ، جعل في المواصلة مخاطر على المسلمين الذين يقاتلون عدواً في أرضه، وقريباً من مصادر الإمدادات. 6- وجد المسلمون أن الانسحاب أفضل، وما عجزوا عن تحقيقه في هذه المرحلة، يمكن أن يحققوه لاحقاً. لقد سُرَّ النصارى بنتيجة معركة بلاط الشهداء،لأنها أوقفت المد الإسلامي إلى أوروبا، وقال بعض مؤرخيهم: " لو انتصر المسلمون في هذه المعركة لرأينا القرآن يتلى ويدرس في جامعات الغرب" ، لكن المنصفين منهم تحدثوا عن خسارة أوروبا بنتيجة هذه المعركة، فقال جوستاف لوبون في كتابه حضارة العرب:" لو أن العرب استولوا على فرنسا، إذاً لصارت باريس مثل قرطبة في أسبانيا، مركزاً للحضارة والعلم، حيث كان رجل الشارع فيها يكتب ويقرأ، بل ويقرض الشعر أحياناً، في الوقت الذي كان ملوك أوروبا لا يعرفون كتابة أسمائهم" .