على بعد أمتار عديدة خلف حاوية القمامة في منتصف الطريق، أمام محل لبيع الطيور لَمَحْتُ طرف شنبه الأصفر وقد تناقصت نسبة الصفار فيه نتيجة التذبذبات والارتفاع الحاصل في أسعار الدخان محلياً، حتى وصلت علبة "الرويال" 10 شواقل بعد ما حصل في مصر... كَرْشُه متدلي، يكاد يمزق "جَلَّابِيتِهِ" من المنتصف، أضلاعه ممتلئة باللحم كعجل سمين لم يأكل منذ شهر, وتم اطلاق سراحه في جبال مليئة بالأعشاب فنبت اللحم على جسده بطريقة غير متزنة... البطالة هَدَّت بقايا صحته، فقد كان عامل "طوبار" في (إسرائيل) واليوم هو سائق فَرْشَة... اقتربت منه بصمت كي لا يراني وينادي علي بصوت مرتفع، وقلت له: والله قعدة ملوك يا أبو جّبِرْ؟! ضحك وقال: شو قِصتَكْ اليوم مش لابس ومْشَخِّص؟! شكلك قَاعِد ؟! قلت له: اليوم ذكرى اتفاق أوسلو؟! وما بحب أشتغل في هذا اليوم؟! أخذ من خلف أذنه سيجارة, وأشعلها.... نظر إليها.... تتبع الدخان فيها..... وتوجه برأسه لأول الشارع... نحو عامود الكهرباء المقطوع، نزولاً إلى مياه الصرف الصحي في منتصف الطريق، ثم إلى حاوية القمامة الممتلئة حتى نخاعها الشوكي، وإلى السيارات مقطوعة البنزين والسولار.. إلى صور الشهداء على الحِيطَان... لم يتكلم؟! ... أنا أنظر لحذائه المخيَّط بخيطان البطالة والهَمْ... وهو ينظر إلى الشارع..... تنهَّد قليلاَ وأطلق كلمة مليئة بالدخان فقال "أووسلوووووو" ... دخَّان، سَرَابْ.... شو جابت إلْنَا مَلعُونْ أبوها؟! عشرين سنة واحنَا بِنْلِفْ حوالين حَالْنَا... مجموعة سرَّاقين وحرامِيَّة؟! مساعدات بتروح وبتيجي في ايديهم، مشاريع وهمية اسمها أكبر منها، .... ما ضل شي ما تنازلوا عليه غير "تُكْتُكْ" ابني حمدان... مقابل شو؟! مقابل دولة و"بدون عضو"، وغرفتين في القدس الشرقية، ورام الله على البيرة على أكم من مدينة حواليهم. سَكَت أبو جَبِر... وقال لي: هات 2 شيكل بدِّي أشتري لي سيجارتين، وسيبك من أوسلو.. أخرجت من جيبي 2 شيكل، وأعطيته.. وقلت في عقلي: مساكين هالنَّاس ملحوقين من نكبة لنكسة، ومن نكسة لأوسلو، همهُم كبير، واصحاب أوسلو مش فارقة معهم، إن شاء الله يموت الشعب... [title]-طيب و أنا مالي يا أبو يزن دع الخلق للخالق-[/title]