16.28°القدس
15.84°رام الله
16.61°الخليل
22.07°غزة
16.28° القدس
رام الله15.84°
الخليل16.61°
غزة22.07°
الإثنين 14 أكتوبر 2024
4.91جنيه إسترليني
5.31دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.12يورو
3.76دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.91
دينار أردني5.31
جنيه مصري0.08
يورو4.12
دولار أمريكي3.76

خبر: دين سكر خفيف.. ومن نحن لنحكم

«قد يمسك السيجارة باليد اليسرى وباليد اليمنى يقرأ قصص الأنبياء، قد يستمع الى الأغاني ومع ذلك يقرأ القرآن الكريم، قد يفعل الذنوب الكثيرة ومع ذلك يحافظ على الصلوات الخمس، ليس هذا تناقضا.. إنما نحن بشر نصيب ونخطئ، أرجوكم دعوا الخلق للخالق». استوقفتني هذه العبارة عندما قرأتها فبينما هي واقعية ومقبولة في جزءها الأول إلا أن ختامها هو تعطيل لأساس حياة البشرية ونهضة الحياة وفتح لأبواب كل الموبقات التي تذهب بكل الحسنات. نعم نحن بشر مخلوقون بفطرة سليمة يقودوها عقل فضلنا الله به على سائر المخلوقات، ولكننا مع عقلنا نضل كثيرا عندما تتنازعنا أهواء النفس، ولو نُزه أحد عن الخطأ لنُزه الأنبياء، في غير أمور الوحي بالطبع، ولكن ذات الفطرة السليمة هي التي تسير بك الى الله في عصيانك لتضع خطيئتك بين يديه وتسأله المغفرة، هي نفسها الفطرة السليمة التي تقبل بها على الله في إحسانك تسأله الإخلاص والسداد والقبول، فالفرار الى الله في العصيان أحب إليه سبحانه من القدوم عليه بطاعة المُذلّ؛ ولذا أوحى الله لسيدنا آدم عليه السلام «أنين التائبين أحب الي من تسبيح المسبحين». فالله يعلم التخليط من عباده وذكره صراحة في سورة التوبة وغفره «وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم إن الله غفور رحيم»، وكل «عسى من الله» تفيد معنى التحقيق، فلولا أنهم كانوا يحبون الله ويخافونه لما قدموا الصالحات والشيطان يجري منهم مجرى الدم، ولكنها النفس والضعف والملاهي مقرونة بطول الأمل، لذا تحنن الله عليهم حتى في عصيانهم وفتح بابه للمسرفين على أنفسهم، فالجود والكرم إنما يكون في أمس حالات العوز والفاقة ليس بغفران ذنب أو ذنبين، زلة أو زلتين، أو معصية ومعصيتين وإنما بغفران الذنوب جميعا فسبحانه من رب نأتيه مشيا فيأتينا هرولة. وفي الوقت الذي تتجلى فيه الرحمات الربانية لآخر نفس ما لم تغرغر الروح نتقن نحن البشر «تطفيش» الناس من دين الله ونغلق أبواب الرحمة في وجوههم ونصدر الأحكام على صغير هفواتهم أو عظيم كبائرهم وكأننا أرباب نحكم ونوزع صحائف الأعمال بالقبول أو الثبور، بالجنة أو النار! لقد جاء في الحديث «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا اله الا الله» وقول اللسان غير اعتقاد القلب غير العمل بالجوارح، فإذن القول وحده يدخل المرء في دائرة القبول والعضوية في المجتمع الاسلامي وليس لأحد أيا كان أن ينزع منه ذلك إلا بثبوت كفر صريح مع شهادة عدول يأخذ فيه الحكم ولاة الأمر في حال قيام الدولة التي تقوم بأحكام الإسلام، وحتى مع هذه كلها فالاستتابة قبل التنفيذ، وقد كان سيدنا عمر وهو من أكثر الخلفاء حزما، يؤثر أن يخطئ في العفو على أن يخطئ في تنفيذ العقوبات والحدود. وحتى الشريعة فصلت في أحوال الناس في بعدهم عن الدين بين فاسق وعاص وجاحد وغيرها وما أطلقت حكم الكفر إلا في حالات معروفة معدودة. إن التخليط والانفصام الذي يعيشه المسلمون الآن في عقيدتهم وعباداتهم وأخلاقهم يشبه الى حد كبير ذلك النمط في الجاهلية بالجمع بين المتناقضات، فقد كانوا يبذلون حياتهم وأموالهم مثلا للسقاية والرفادة ثم يقطعون الرحم ويسيئون الجوار، ذلك أن الأخلاق كان عادات وميراثا لم تستند الى قاعدة راسخة من الإيمان والقناعة! نرى في مجتمعاتنا الآن حالات كثيرة تمثل الاقتباس الذي قدمنا به، فالفتيات مثلا يتحجبن بلباس غطاء الرأس فقط أما ما تحته فلا يملك أدنى مقومات الحجاب والأهم من ذلك لا يكمّل الحجاب إلا الأخلاق التي يجب أن تلازمه، والتاجر يصلي الفروض في الجامع فإذا ما خرج منه احتكر ورفع الاسعار وأنفق بضاعته بإيمان كاذبة! فهل نقول للناس سيروا على ما أنتم عليه من باب دع الخلق للخالق؟ أم نعنفهم ونغلظ لهم في التقريع لتأخذهم العزة بالأثم فيزدادوا إثما؟ أم نخرجهم من دائرة الدين ونقول لهم دعوا الصلاة والحجاب فإنكم لا تمثلونهم وتسيئون اليهم أكثر مما تحسنون؟! لقد علمنا الله وسيرة رسوله صل الله عليه وسلم أن رحمة الله ابتداء وسعت كل شيء وأن المؤلفة قلوبهم الذين بالكاد دخلوا الدين هم أيضا من أهله، بل إن الخلفاء الأوائل استخدموهم في حروب الردة ليدمجوهم سريعا في المشروع الاسلامي ودولة الاسلام؛ لكيلا يبقوا على الأطراف موضوعين على الرف في دائرة الاتهام هل أسلموا أم لا؟ هل حسن إسلامهم؟ هل دخل الإيمان في قلوبهم أم بقوا متلبسين بالشرك؟! وكثير من المسلمين الآن هم من المؤلفة قلوبهم ليس بمعنى دخولهم في الاسلام بعد الكفر فهم ولدوا مسلمين وورثوا الاسلام عن أهلهم ولكنهم لا يعرفون حقيقة الإيمان ودور العبادات وميزان قبولها إن لم يتحقق بها المرء في واقع الحياة أخلاقا وممارسات وقوانين، وكثير من المسلمين بحاجة الى إعادة تعريف بالاسلام ليذهب عنهم ضلال ما نُقل اليهم عنه من تشدد ورجعية وقسوة. الدعاة الذين يريدون «أسلمة» المجتمع مدعون الى توسيع المشروع الاسلامي ليشمل أولي العزم في كل شيء ولا يستثني أولي الضعف حتى القاعدين الذين يقفون على الحياد، ولا حياد اليوم، الذين يكتفون فقط بعدم معاداة الدين، إن من يتفق معك على فضيلة خير ممن يختلف معك على كل شيء ويسعى لتشيع الفاحشة في الذين آمنوا، إن من تصلي بغير حجاب خير ممن لا تصلي إطلاقا، إن من يؤمن بالحرية والعدالة وحقوق الانسان خير ممن يسعى لترسيخ الاستبداد والتبعية والظلم و لو كانت لحيته تصل الى الأرض، كل من أقبل على الدين ولو بخفقة قلب يجب أن يجد نفسه ممثلا في المشروع الاسلامي اذا أتى اليوم الذي ينطلق فيه من باب القعود مع حسن النوايا الى باب العمل وتحمل الأعباء والتكاليف أو حتى بقي على حاله ينتظر جنى الثمار. ولعل الكلمة الفصل ما قاله المفكر الاسلامي محمد أحمد الراشد في كتابه فقه الدعوة «أحسب أن خطة العمل لدى الدعاة يلزمها أن تتوسع وتكون أكثر مرونة وواقعية لتشمل الاستعانة بأبناء الأمة الذين شُغلت ذممهم الدينية ببعض الهفوات الأخلاقية، لا الظلم والخيانات، إذ المعركة كبيرة وهؤلاء مؤمنون صرعتهم الشهوة لا الشبهة واحتواء الدعوة لهم تفتح مجالا لهم للاقتراب من التوبة وفهم الاسلام فهما حقيقيا واعانتهم على العزائم والعفاف غير حسن الصحبة لهم والتودد لهم باعتبارهم من ضحايا التربية العُرفية وليسوا من أهل العناد». الإسلام واسع بقدر رحمة الله والأخيار السائبون كثر ومن لم يجد نفسه ممثلا في صف الحق قد يجذبه الباطل فالحياة والطبيعة لا تعترف بالفراغ. الاسلام واسع ولكن العباد من يضيقون على العباد فأحسنوا أيها الدعاة السفارة والتمثيل لدينكم حتى لا تكونوا عرضة لأن يستبدلكم الله بخير منكم. الاسلام جذاب ومحبب الى النفس «ولكن الله حبب إليكم الايمان وزينه في قلوبكم» فإذا «طفش» الناس منه فليراجع الدعاة أنفسهم فإنما هو بما كسبت أيديهم