24.13°القدس
23.85°رام الله
22.75°الخليل
25.91°غزة
24.13° القدس
رام الله23.85°
الخليل22.75°
غزة25.91°
الأحد 13 أكتوبر 2024
4.91جنيه إسترليني
5.31دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.12يورو
3.76دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.91
دينار أردني5.31
جنيه مصري0.08
يورو4.12
دولار أمريكي3.76

خبر: نقطة البدء.. من الواقع أم التراث ؟

المدخل الصحيح لرؤية حضارية لأمتنا ليس العودة إلى التراث بل قراءة الواقع قراءةً دقيقةً وتحليل كل مكوناته الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والحضارية، لكن هذا لا يكفي فنحن لا نفهم الواقع المعاصر لننصهر فيه إذاً ماذا أضفنا إلى الحياة؟؟ بل نقرأ الواقع لنستوعبه ونفهمه ثم نتجاوزه نحو الأفضل دون أن نصير جزءًا من العلاقات المختلة القائمة فيه.. هناك كليات ومبادئ عامة في الدين مثل العدل والرحمة والشورى وإصلاح الأرض وعمارتها، هذه مبادئ عامة وليست صيغاً تطبيقيةً، فنحن نفهم طبيعة العلاقات الدولية ثم ننزل مبدأ العدل القرآني ونفهم كيف يمكن أن نطبقه بأكبر كمية ممكنة في ظل العلاقات الدولية والمعادلة الاجتماعية والسياسية المعاصرة ونبني صيغةً عمليةً، أما التطبيقات السياسية زمن النبي فهي لا تزال مصدر تشريع لنا، لكن قبل أن نطبقها في واقعنا فإن علينا أن نحررها من خصوصية ظروف الزمان الذي كانت فيه ونستنبط منها المعاني المجردة التي لا ينال منها اختلاف الظروف التاريخية والثقافية، ونستلهم الروح الكامنة فيها... فمثلاً حين نقرأ في سيرة النبي رسالته إلى هرقل عظيم الروم، فهذا لا يعني أن نرسل ذات الرسالة بحرفيتها إلى أوباما عظيم أمريكا! فمن يحكم أمريكا اليوم ليس شخص أوباما بل منظومة معقدة من الشركات والمؤسسات، والمعنى المستفاد هو أن نفهم الظروف السياسية والأعراف الدبلوماسية في العلاقات بين الدول وأن نتواصل مع الشعوب من العناوين الصحيحة. وهذا المعيار ينطبق حتى على تعاملنا مع القرآن الكريم، فمثلاً هناك عشرات الآيات التي تتناول القتال في القرآن لكن هذا لا يعني-حسب فهمي- أن ننزل هذه الآيات على واقعنا ونحن مغمضو الأعين دون أن نفهم اختلاف المتغيرات، والنظرة إلى القتال في هذا الزمان والشروط السياسية المستقرة في الأعراف الدولية لممارسته، بل نقرأ الواقع فإن كانت الظروف السياسية ألغت مركزية القتال في العلاقات الدولية، فهذا لا يعني أن آيات القتال فقدت صلاحيتها التاريخية إنما تبقى الروح والمعنى المجرد فيها، فالقتال ترميز للاشتباك بين الناس والذهاب إلى الحد الأقصى من المواجهة في سبيل ما تؤمن به، والتحرر من عقدة الخوف من الموت، ولم تكن غاية القتال يوماً سفك الدماء أو الإفناء المادي لأشخاص المحاربين، والمعنى الحرفي للقتال هو الحالة القصوى التي تبلغها هذه المعاني، لكن إذا كانت الظروف السياسية وتطور الفكر الاجتماعي للبشر قد غيب الشكل التقليدي للقتال، فإن معنى آيات القتال في مجتمع سلمي تتحقق بألا نداهن في سبيل مبادئنا وأن نواصل النضال السلمي في سبيلها وأن نتحلى بالشجاعة في سبيل الحق، وهي معان روحية مجردة تصلح في أي زمان وأي ظروف. لقد غير العالم اليوم أدواته لكن الحقائق النفسية للبشر لم تتغير، فنزعة العلو والهيمنة التي كان الأقدمون يعبرون عنها بالغزو العسكري لا تزال حاضرةً تعبر عنها أمريكا بأدوات اقتصادية وسياسية واستخبارية مع بقاء روح الهيمنة والعلو في الأرض، في ضوء هذا الواقع فالمسلمون وهم أصحاب رسالة حضارية مطالبون بأن يغيروا وسائلهم أيضاً مع بقاء الأهداف العليا للدين المتمثلة في أن يقوم الناس بالقسط وألا يتخذ البشر بعضهم بعضاً أرباباً من دون الله، وهذا هو الفرق بين المشروع القرآني والمشروع الامبراطوري فنحن نغير وسائلنا في سبيل تحقيق الأهداف الإنسانية العليا للقرآن وهي الرحمة للعالمين والعدل والقسط، وحين نمتلك كياناً سياسياً قوياً فهذا لا يعني أن نستبدل هيمنةً بهيمنة، وأن نطرد أمريكا من مجلس الأمن لتحل دولة المسلمين محلها وأن نمتلك حق الفيتو مثلهم لنعاكس إرادة الشعوب بهذا الحق الباطل! بل إن مهمتنا الحضارية هي تغيير هذه المعادلة، والتأسيس لمبدأ جديد في الأمم المتحدة يحقق الأهداف الكلية للقرآن بإقامة العدل في الأرض ومحاربة الإفساد فنطالب بألا تتدخل الدول القوية في شئون الدول الضعيفة، وأن تكون هناك صيغة إلزامية تجبر المجتمع الدولي على التدخل العسكري في الدول التي يحدث فيها انتهاك لحقوق الإنسان كما هو الحال في سوريا اليوم التي عجزت المعادلة الدولية الراهنة عن وقف الفظائع المرتكبة فيها بسبب خضوع السياسة الدولية لمنطق المصالح لا لمنطق العدل، وهنا تكون إضافتنا بأن نطالب بإلغاء امتيازات الدول الكبرى في مجلس الأمن وتعزيز دور الأمم المتحدة التي يكون فيها حق التصويت متساوياً لكل الدول دون استحواذ من الدول الكبرى.. المدخل الصحيح لمشروعنا الحضاري هو فهم العالم المعاصر وتحليل مكوناته ثم بعد ذلك تقديم إضافتنا الأخلاقية الروحية وتطبيق كليات الدين على هذا الواقع، لا أن تكون إضافتنا استنساخ تطبيقات تاريخيةً دون وعي بالزمان ولا بالمكان