30.55°القدس
30°رام الله
29.42°الخليل
30.86°غزة
30.55° القدس
رام الله30°
الخليل29.42°
غزة30.86°
الخميس 01 اغسطس 2024
4.84جنيه إسترليني
5.31دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.07يورو
3.76دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.84
دينار أردني5.31
جنيه مصري0.08
يورو4.07
دولار أمريكي3.76

خبر: العمالة..الآباء يأكلون الحصرم والأبناء يضرسون

لم تبحث مراراً وتكراراً عن فستانٍ أبيض ليوم زفافها؛ كما باقي الفتيات بنات جيلها؛ بل إنها وفور قياسها لأولّ فستانٍ وفي أول محلٍ تجاريٍ؛ استعارته دون أدنى تردد، فهي لا تحب الظهور للناس كثيراً، أو الخروج للتجوال في الشوارع. "ن .ع" (البالغة من العمر20 عاماً) هي ابنة العميل "ك . ع" تقول إنها وفور اكتشاف عمالة والدها للاحتلال الصهيوني؛ شعرت بأن "الدنيا ضاقت عليها.. واسودّت في وجهها" فهي وجميع أفراد أسرتها لم تتوقع يوماً أن يكون والدها الذي يعيش معهم تحت سقفٍ واحدٍ ويأكل معهم على مائدةٍ واحدةٍ "خائناً للدين والوطن". [color=red][b][title]"بنت الجاسوس"[/title][/b][/color] تقول "ن .ع": "عندما تقدم "زيدٌ" لخطبتي لم يهمنِ كثيراً مواصفاته وكم سيعجبني شكله بقدر ما أعجبني تعامله معنا كأسرةٍ أكتُشِف تورطُ أحد أفرادها بالعمالة للكيان، وعلى الرغم من ذلك؛ لم يبالِ بالأمر، ونسج نسباً بيننا وبين عائلته..". أضافت "ن .ع" بينما تملأ عينيها نظراتُ حزنٍ وقهرٍ دفين: "..أصعب شيء في حياتي هو أن أجد المجتمع بأكمله وقد تبرأ من والدي، وقد أجبرني على التبرؤ منه أنا أيضاً.. أشعر بالتناقض والحيرة في مشاعري، فهو والدي الذي شاب شعرُه وهو يربيني.. وفي نفس الوقت هو ذلك الفلسطيني الخائن.. وقد يكون القاتل..". ويقبع والد "ن .ع" في أحد السجون الأمنية لحكومة الفلسطينية في غزة ولا يقوم أيٌ من أفراد أسرته بزيارته أو السؤال عنه. يُذكر أن العملاء أو "الجواسيس" أو "الطابور الخامس" هي مصطلحات وتعابير كثيرة تُطلق في غزة على كلّ من يتعاون مع الاحتلال الصهيوني ويقوم بالتجسس لصالحه، وينقلُ له أخبار المقاومة والمجتمع الفلسطيني ومؤسساته، كذلك كل من يقوم ببيع الأراضي الفلسطينية له، ولا تزال الأجهزة الأمنية الفلسطينية في قطاع غزة تتابع وتراقب هذه الظاهرة عن كثب، والملاحظ أن الأذى يلحق بأسرة العميل برمّتها، إذ يُعرضُ كثيرٌ من الناس عن إقامة علاقات عمل أو نسب أو جيرة مع أسرة العميل. والدة "ن .ع" قالت وعبراتٌ تخنق صوتها: "طالما حرصت على أن يكمل أولادي تعليمهم الجامعي، لكن؛ للأسف بناتي الاثنتين تركتا الجامعة والتزمتا البيت بعد اكتشاف أمر والدهما وانتشار الخبر بين الناس، بينما استمر ابني الأكبر". وأضافت: "..منذ اكتشاف أمر زوجي أصبحت تُطلقُ علينا ألفاظٌ تخرق آذاننا كالسهام: بنت الجاسوس.. هادي زوجة العميل.. ومن يومها حركتنا قليلة وما بنطلع إلا للضروري". يٌذكر أن زوجة العميل "ك .ع" تعاني الآن من أمراض الضغط والسكري؛ وذلك بسبب "حزنها الشديد على زوجها وما آل إليه حال أسرتها". تقول: "..أطلب من الله أن يغفر لزوجي ويهديه لما فيه صلاح للإسلام والوطن.. وأتضرع إليه ليلاً ونهاراً أن يستر على بناتي، ويحمي ابني". أما "ه .ج" فقد قام بتطليق زوجته بعد أن أُكتشف أن عمّها عميلٌ للكيان الصهيوني، إذ لا يريد أن يمتدّ العار لأولاده وبناته في المستقبل؛ على حدّ تعبيره. وأشار إلى أنه من "عائلةٍ مناضلةٍ ومعروفةٍ بسمعتها الوطنية الشريفة منذ سنوات، ولا يقبل على نفسه أن تكون أُمّ أولاده عمها عميل، لذا؛ فقد قطع اتصاله بها تماماً، كما منع أولاده من التواصل معها". [color=red][b][title]"انكشفت"[/title][/b][/color] العميل (خ.و) ويقبع في أحد السجون الأمنية بغزة حيث تم اكتشاف عمالته منذ عام واحد قال "أشعر بالحزن الشديد على ما وصلت إليه بعد هذا العمر الذي عشته حيث أبلغ 62 عاماً وكنت متخابراً مع الاحتلال الصهيوني منذ 40 عاماً تقريباً، وأخجل كثيراً من نفسي ومن النظر حتى في المرآة". وعن طبيعة علاقته بأهله أضاف "كانت علاقتي مع أهلي وجيراني سابقاً علاقة جيدة وحميمة وكنت محبوباً بينهم، خاصةً أنني لم أكن أتخلف عن مساعدتهم عند الحاجة، كما أنني كنت معروفاً في مسجد الحارة التي أسكنها حيث كنت دائماً أشارك في تنظيف المسجد ومحيطه، وأساعد شباب المسجد في العمل التطوعي، لكنني بعد أن انكشفت للأسف لا أستطيع وصف شعوري بالخزي من أهلي ومن الناس كافة". وتابع "ما زال فقط ابني يحضر لزيارتي وهو يعتصر خجلاً وألماً، وأنا أشعر بذلك حتى أنني عندما أجلس معه لا أستطيع النظر في عينيه وربنا يصبره هو وباقي عيلتي على المصيبة التي وضعتهم لهم، والله أنا خايف عليهم كتير لأنه الناس ما بترحم وأكيد هم الآن معزولين عن محيطهم كله، وخايف عليهم أكثر من الاحتلال أن يحاول الانتقام منهم أو يعمل شيء في أحد من أبنائي بعد ما انكشفت، أو يحاولوا أنهم يستغلوا نفسيتهم السيئة ويسقطوا أحد أولادي مثلما ضحكوا علي واستغلوني". ونصح (خ.و) الشباب بأن أن لا يسيروا في طريق العمالة ويتفانوا في خدمة الوطن والدفاع عنه، ولا يتركوا مجالاً لأن يضحك اليهود عليهم كما ضحكوا عليه وأسقطوه". وأكد على ضرورة أن يسارع كل العملاء بإعلان التوبة وتسليم أنفسهم للأجهزة الأمنية الفلسطينية، ولا يخافوا من سوء المعاملة إذ سيجدوا الرعاية والتأهيل والنصح الرشيد. وقال (خ.و): "أمنيتي في هذه الحياة أن يغفر الله عز وجل ذنوبي، وأن يجعل الناس ينسوا مصيبتي حتى يستطيع أهلي وأولادي أن يعيشوا ويكملوا حياتهم". [color=red][b][title]الترغيب لا الترهيب[/title][/b][/color] م. "إيهاب الغصين" (الناطق باسم وزارة الداخلية والأمن الوطني بحكومة غزة ) قال إن "الخطيئة تصيب الشخص نفسه وليس عائلته، وعلى المجتمع ألا يجعل من أهل العميل ضحايا خطيئةٍ ارتكبها الوالد أو الابن أو الخال أو أيٌ من أفراد الأسرة.." مشدداً على "..أهمية تكاتف مؤسسات المجتمع المدني والرسمي كافة لتقديم الدعم والسند لأهالي العملاء، والاطمئنان على أوضاعهم الاجتماعية والمادية..". وأضاف أن "..العام الحالي 2011 تم تنفيذ حكم الإعدام بحقّ اثنين من العملاء، والعام الماضي في اثنين آخرين.." مشيراً إلى أن "..ذوي هؤلاء العملاء لم يفتحوا بيوت عزاءٍ لأبنائهم، كما أنهم رفضوا توديعهم..". وقال م. "الغصين": "..يصدر حكم الإعدام بحق العملاء المشاركين مشاركةً فعليةً في القتل المباشر للمقاومين". وبخصوص عدد العملاء في سجون الأمن الداخلي التابعة لحكومة غزة قال م. "الغصين": "..الرقم عليه تعتيم.. فليس من مصلحتنا إعطاء رقم كي لا تخدم هذه الأرقام الاحتلال الصهيوني". وأضاف: "..الأعداد بسيطة، لاسيما بعد عمليات المتابعة والتوعية والمراقبة الشديدة من قبل أجهزة الأمن، وأيضاً بسبب حملة مكافحة التخابر؛ التي تمّ الإعلان عنها في يوليو من العام الماضي، حيث أثبتت نجاحاتها وبشهادةٍ من الاحتلال الصهيوني، حيث أكدّ العدوّ أن "هناك أزمة استخبارتية في قطاع غزة". وتابع "الغصين": "..استخدمنا أسلوب الترغيب وليس الترهيب، لدرجة أن عدداً من العملاء المخضرمين تابوا وسلّموا أنفسهم من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، وطلبوا منا أن نبقيهم آمنين في غزة". [color=red][b][title]إعادة دورة الإنتاج[/title][/b][/color] د. "فضل أبو هين" (مدير مركز التدريب المجتمعي وإدارة الأزمات، أستاذ علم النفس بجامعة الأقصى بمدينة غزة) قال إن "أسوأ الأثر النفسي يكون جرّاء اكتشاف تورّط أحد أفراد العائلة بالعمالة.." ويقع أكثره على الزوجات لأن هذا يعتبر "معرّةً اجتماعية" تهدد نظرة المجتمع لها ولعائلتها، لاسيما أن "..العمالة بمثابة خدش لحياء المجتمع وجرم ضد المجتمع بأكمله". وأضاف: "..الأسرة بأكملها تصبح في حالةٍ من الكرب والشقاء النفسيّ، كما تتقوقع على نفسها، وتُعرض عن المشاركة في الكثير من المجالات التي تضطرها للاحتكاك بالناس، كما تهتزّ العلاقة بين العائلة والوسط المحيط بها". وعبّر "أبو هين" عن غضبه تجاه معاقبة المجتمع لأسرة العميل بأكملها على جرمٍ هم غير مسئولين عنه، مطالباً بـ "تنفيذ حملات إعلامية وتوعوية تدفع باتجاه مؤازرة أهالي العميل والوقوف بجانبهم وعدم تشجيعهم على الانعزال؛ لأن ذلك قد يُعيد دورة إنتاج عميلٍ آخر". من ناحيتها قالت الكاتبة والباحثة "دنيا الأمل إسماعيل" إن "الظلم يزداد حدّة عندما يكون التجريم قائماً على أساس الشبهة فقط وليس الإدانة الفعلية للعميل، ومن ثمّ؛ تعميم هذا التجريم على العائلة بأكملها، وذلك يؤسس لعلاقاتٍ قائمةٍ على فكرة السمعة والشائعات والأقاويل..". وأوضحت "إسماعيل" أن الانتفاضة الأولى عام 1987 كانت المنبع الأساس لمثل هذه الممارسات، حين كان يُسمح لبعض أفراد المجتمع الفلسطيني أن يكون حكماً على غيره دون أيّة صفة قانونية، فتستخدم شماعة الاحتلال الصهيوني حجر عثرة في وجه من تسوّل له نفسه اتخاذ موقفٍ مغايرٍ أو إعلان الرفض لهذه الممارسات؛ التي لم تزل تترسخ جذورها في الشارع الفلسطيني. وشدّدت إسماعيل على أهمية وجود توجّه مجتمعي ومؤسساتي حقيقي لمحاربة هذه الممارسات، وتعزيز ثقافة المواجهة والاحتكام لشريعة القانون وليس لغيرها. [color=red][b][title]تعميم المشاعر..[/title][/b][/color] المواطنة نهى.ج اعتبرت أن أكثر الفئات تأثراً بكشف عمالة أحد أفراد الأسرة هن النساء لا سيما غير المتزوجات منهن إذ تقل فرص زواجهن بعد أن يعرض الكثير من الرجال عن خطبتهن، كما أن المتزوجات منهن يصبحن أكثر تعرضاً للعنف من قبل الأزواج إذ يبدؤوا بمعايرتهن والتقليل من شأنهن والحط من كرامتهن، هذا إن لم يتم تطليقهن على الفور. وقالت: "تشويه الصورة والسمعة يطال جميع أفراد الأسرة بعد كشف عمالة أي من أفرادها وهذا ظلم كبير وتعزيز وتكريس لتفسخ العلاقات وعزل أسرة العميل عن محيطه". من جهته اعتبر المواطن "أحمد حسين" أن "الكثير من العملاء يقومون بجرائم خطيرة، فنشعر تجاههم بالحقد ونطالب المسئولين بعدم الاكتفاء باعتقالهم أو تسليمهم للأجهزة الأمنية، بل بتنفيذ القصاص بحقّهم بشكلٍ عاجلٍ وسريع، لكن هذا لا يعني أن تُعمم مشاعرُنا هذه على باقي الأسرة، فنشعر تجاهها بالحقد والازدراء". واستكمل قائلاً: "..يجب علينا أن نقوم بمساندة أهالي العملاء، والأخذ بأيديهم للتغلب على مصابهم الجلل". ويخالفه الرأي زميله "مؤمن . د" الذي اعتبر أن "الأسرة لولا فسادها وعدم متابعتها ورعايتها السليمة لكل فردٍ فيها لما نبت فيها فردٌ خائنٌ جبان..". وتابع: "..نحن في وطنٍ محتلٍ منذ عقود، وعلينا أن نزرع في أولادنا حبّ الدين والوطن منذ نعومة الأظافر، فلا شيء يعلو على حبّ الدين والوطن، لا المال ولا المصالح الخاصة ولا حبّ الشهوات". ويجد إعدام العملاء ترحيباً واسعاً من الشارع الفلسطيني، لا سيما المشاركين منهم في عمليات اغتيال تتعلق برموز وقادة للشعب الفلسطيني . [color=red][b][title]فتح باب التوبة[/title][/b][/color] ويقول فقهاء المسلمين في عقوبة الجاسوس أن ذلك يرجع إلى مدى جريمة الجاسوس، ومقدار توغّله في خدمة الأعداء ومساندتهم، وماذا ترتّب على ذلك من مضارّ، كأن يسهّل قتل مسلمٍ أو نحو ذلك، ويجب أن يُردّ ذلك إلى محكمةٍ مسلمةٍ تنظر في جرائمهم، وتقيم حكمها على أساس البيّنات، لا على مجرد الدعاوى أو الشبهات، فمن أعان الأعداء على أهله وقومه ودلّ على عوراتهم حتى ترتّب على ذلك سفك دمٍ حرامٍ؛ وجب أن يُقتل لا محالة، لأنه شرٌّ من قُطّاع الطريق الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً. ومن لم يبلغ هذه الدرجة عُوقب بما يناسبه إذا ثبُت عليه، وينبغي التشديد في الإثبات حتى لا يُعاقب أحدٌ بغير حق، ومن صحا ضميره وأراد أن يُكفّرّ عن ماضيه فبابُ الجهاد أمامه واسعٌ، عسى الله أن يُبدّل سيئاتهم حسناتٍ وكان الله غفوراً رحيما. الشيخ "حامد البيتاوي" (رئيس رابطة علماء فلسطين؛ والقاضي في المحاكم الشرعية) اعتبر أن "الجاسوسيّة هي نوعٌ من موالاة العدو المحتل، وهي جريمةٌ وخيانةٌ عُظمى، وكبيرةٌ من الكبائر، وهي خيانةٌ لله وللرسول وللمؤمنين، فهي حرامٌ شرعاً، حيث يصدقُ في العملاء قولُ الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء، بعضهم أولياء بعض، ومن يتولّهم منكم فإنه منهم} وقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقاً من الذين أوتوا الكتاب يردّوكم بعد إيمانكم كافرين}. وأكّدّ أنه لمعالجة الجاسوسية لا بد من العمل على عدّة محاور أساسيةٍ منها: تربية أبناء الشعب الفلسطيني التربية الإسلامية الصحيحة؛ من عقيدةٍ سليمةٍ وخُلُق، حتى يكون لكلّ مواطنٍ دينُه القويمُ والمتينُ الذي يمنعه من الجاسوسية والعمالة، وضرورة وجود قانونٍ حازمٍ وحكمٍ شرعيٍ يردعُ أمثال هؤلاء الجواسيس، كما ينبغي فتحُ باب التوبة لمن تورّط منهم في هذا الجُرم، فإنّ باب التوبة مفتوحٌ، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له، والله يحب التوابين ويحب المتطهرين.