27.26°القدس
27.16°رام الله
28.86°الخليل
29.55°غزة
27.26° القدس
رام الله27.16°
الخليل28.86°
غزة29.55°
الأحد 04 اغسطس 2024
4.88جنيه إسترليني
5.37دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.16يورو
3.81دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.88
دينار أردني5.37
جنيه مصري0.08
يورو4.16
دولار أمريكي3.81

والدة الأسير المحرر مروان الزرد

خبر: الحلمٌ..كان زورقاً يحملني صوب الحبيب!

ياااه.. هاهي تجاعيدُ الوجه التي خبأ التاريخ فيها قصصاً مكتظة بجام الألم، تظهر كشقوق في مبنى عظيم، وتتفتح بين وقت وآخر تنزف شوقاً وتنفث وجعَ افتقادٍ وحسرةَ أمومةٍ محرومةٍ وآمالٍ لم تكتمل، أنظر لوجهي في المرآةِ فأرى كل هذا ومن خلفي (مروان) يحتضنني بكلتا يديه بشدة ويربتُ على كتفي ولا ينتظر أن أجهز نفسي.. بل يسحبني من يدي بدلالٍ ويأخذني إلى قصر أفراح جميل جداً، مكتوب على بواباته: في هذه الليلة المباركة يزورنا العزيز الشامخ مروان الزرد ويعقد قرانه على الحرية في حفل بهيج يقام على شواطئ بحر الفرح والفخر.. لا أصدقُ نفسي ولا أغلبُ دمعةً عجزتُ وأنا أغالبها. أتحسس أكتاف الرجل الواقف بجواري، صدره، ملامح وجهه وألمس يديه فأجده هو مروان "بشحمه ولحمه" أقرأ في عينيه عشرين سنة مضين وهو عني بعيد.. لكنني لا أبكي. ليس غريباً أن يراودني هذا المشهد في الحلم، فقد اقترب جداً؛ الوقت المقرر أن أعيشه فيه واقعاً وحقيقة، وأفرح بزفاف الحرية إلى ولدي ومثولها بين يديه أخيراً، وهو عزيز شامخٌ كالأسد، رغم أن بعض التفاصيل تختلف قليلاً، فيوم طار القلب إليه ولم يعنّي على الصبر ولم تمنحني ولو لحظة دلالٍ رغم أنني أم العريس الحرّ. فداؤك قلب أمكَ أيها الأسدُ الهصور، فداؤك النفس والنفيس يا ولدي. ربما عجزتْ يدُ التاريخِ أن توصلَ لي صورة الحبيبِ القابضِ على جمر الصبر خلف قضبان القهر، لكنها كانت أضعف بكثيرٍ من إرادة المولى التي سمحت لي برؤيته دوما في الحلم كأنني أقضي كل الليل معه. عندما بلغ مروان (أو إبراهيم كما يناديه الجميع) عندما بلغ السابعة عشر من عمره، فرحت برجولته المبكرة، بأنفاسه الجهادية الواثقة، بطريقته في الكلام، وفي التعامل، وحتى في الكره والحب، بدأت أرى ابني الغالي يكبر أمامي شيئاً فشيئاً.. حين أراه حاملاً سلاحه أذكر طفولته وصباه وأتخيله رجلاً يملأ الأعين جلالاً وهيبة، لكن فجأة ينقطع الفيلم الممتع وتدخل أحداث أكثر دموية من مذابح الحروب العالمية، يدخل القفر والقهر بيتي وأنا التي لم تتخيل يوماً أن تحرقها نار البعد ومرارته، يدخل أحفاد القردةِ بيتي ويسرقون منه حبيب الروح ومهجة القلب، وأبقى أشتعل على جمر الفراق والأوجاع، لا يمنحونني رخصة العبور إليه ولا يريحون الروح من ولهٍ يكاد يقضي عليها. حينما يتعرض مجاهد للأسر في سنٍ صغيرة، يحترق قلب الأم عليه أكثر بكثيرٍ مما لو كان كبيراً، فهو يحتاج أمه وأهله.. لكن مروان كان يطمئنني، يعلم أنني أحتاجه كما يحتاجني تماماً؛ يزورني كل ليلة في الحلم فأحادثه: بنيّ الغالي.. يا قطعة من القلب أبخيرٍ أنت؟ يرد: أمي الحبيبة كوني بخير أنا أستظل بفروع قلبك.. فمدي من الفروع حناناً وحنيناً يدفئ ليلاتي الباردة يا أطهر قلبٍ يمر على البسيطة.. تبرد ناري: ياه.. ألهذا الحد يا ولدي.. ويختم كل الليلات السعيدة: بل أكثر يا روح ولدك.. في حفظ الله أمنتك وعنايته ترعاكِ .. سلام عليكِ يا أماه في الصابرات! مروان كان برعماً على مشارف التفتح الكامل حين اعتقله بنو صهيون وأسروه لديهم، أخشى ما أخشاه أن يمسوه بسوء، وقد عرفت ابني أسداً بثياب صبيّ، لم أخف عليه منهم رغم كل غدرهم فالله تعالى خيرٌ حافظاً، لكنني كنت أتمنى لو أن ابني يكبر بين يديّ وأمامي أرى ملامحه، وأتفحص رجولته الرائعة، عظام صدره تفرد نفسها لتخبرني أنه أصبح رجلاً، كتفاه يزدادان عرضاً، لحيته وشاربه يشقان دربهما في الوجه المنير، يداه، ساقاه، وحتى زنديه وعضلات وجهه المرنة مع ابتسامته، وعروق دمه الفائر تحدثني في جيده الذي ما حناه القيد، وزاد الطين بلة أن بني صهيون لم يسمحوا لي بزيارته معتقلاً.. فأخذت ألح على الله بالدعاء ألا يحرمني رؤيته، وبدأت أراه في المنام دوماً، حتى جاء يوم ورأيت صورته وإذ بشكله وملامحه التي تزورني كل ليلة هي إياها، وابني هو إياه، تحسست كل مسامات روحه وقلبه منذ احتضنته يوم عرس الإفراج الكبير والمشرف، فإذ بي أحفظ حتى عدد أنفاسه، وعدد نبضاته، يا الله.. كم كان الله مناناً معي! يوماً زارتني شابة صحافية حين استصدر حاخامات اليهود قانوناً يقضي بحرق السجون الإسرائيلية بمن فيها من المعتقلين الفلسطينيين؛ تسألني الشابة: هل تشعرين أن صهيون قد ينفذون مثل هذا الحكم يا أم مصطفى، فأرد ببرد يقين رغم أن قلبي كان يحترق: لا يا بنيتي.. سيحفظهم الله.. فهم في وداعة الله.. وقد تخيلت يوم عاد إليَّ مروانُ أن قلبي لن يحتمل فرحة لقائه وسيبدأ ينزف احتراقاً من جديد، إلا أن برداً صبه الله في قلبي حتى حين عاندني أبنائي ولم يشأ أيهم أن أنزل لساحة الكتيبة حتى أستقبل ابني المحرر، فأصررت على رأييْ ونزلت واستقبلته هناك..! يهل الآن المهنئون، أناس لا أعرفهم وآخرون لم أقابلهم قط، وغيرهم الكثير.. أشعر أن المرض يغزو جسدي بشدة، لكن القلب يعيش أجمل أيامه بقرب الحبيب، والروح تغتسل من أنهار قربه وقبلاته الحانية بفرح، أنظر في عيون الناس وأعلق أمنيةً على صدر الأيام، أن يذيق الله برد الفرح ودفئه ويقينه لأهل الأسرى الأحرار الذين لا يزالون يرزحون تحت قهر الاحتلال!