مروان كان برعماً على مشارف التفتح الكامل حين اعتقله بنو صهيون وأسروه لديهم، أخشى ما أخشاه أن يمسوه بسوء، وقد عرفت ابني أسداً بثياب صبيّ، لم أخف عليه منهم رغم كل غدرهم فالله تعالى خيرٌ حافظاً، لكنني كنت أتمنى لو أن ابني يكبر بين يديّ وأمامي أرى ملامحه، وأتفحص رجولته الرائعة، عظام صدره تفرد نفسها لتخبرني أنه أصبح رجلاً، كتفاه يزدادان عرضاً، لحيته وشاربه يشقان دربهما في الوجه المنير، يداه، ساقاه، وحتى زنديه وعضلات وجهه المرنة مع ابتسامته، وعروق دمه الفائر تحدثني في جيده الذي ما حناه القيد، وزاد الطين بلة أن بني صهيون لم يسمحوا لي بزيارته معتقلاً.. فأخذت ألح على الله بالدعاء ألا يحرمني رؤيته، وبدأت أراه في المنام دوماً، حتى جاء يوم ورأيت صورته وإذ بشكله وملامحه التي تزورني كل ليلة هي إياها، وابني هو إياه، تحسست كل مسامات روحه وقلبه منذ احتضنته يوم عرس الإفراج الكبير والمشرف، فإذ بي أحفظ حتى عدد أنفاسه، وعدد نبضاته، يا الله.. كم كان الله مناناً معي! يوماً زارتني شابة صحافية حين استصدر حاخامات اليهود قانوناً يقضي بحرق السجون الإسرائيلية بمن فيها من المعتقلين الفلسطينيين؛ تسألني الشابة: هل تشعرين أن صهيون قد ينفذون مثل هذا الحكم يا أم مصطفى، فأرد ببرد يقين رغم أن قلبي كان يحترق: لا يا بنيتي.. سيحفظهم الله.. فهم في وداعة الله.. وقد تخيلت يوم عاد إليَّ مروانُ أن قلبي لن يحتمل فرحة لقائه وسيبدأ ينزف احتراقاً من جديد، إلا أن برداً صبه الله في قلبي حتى حين عاندني أبنائي ولم يشأ أيهم أن أنزل لساحة الكتيبة حتى أستقبل ابني المحرر، فأصررت على رأييْ ونزلت واستقبلته هناك..! يهل الآن المهنئون، أناس لا أعرفهم وآخرون لم أقابلهم قط، وغيرهم الكثير.. أشعر أن المرض يغزو جسدي بشدة، لكن القلب يعيش أجمل أيامه بقرب الحبيب، والروح تغتسل من أنهار قربه وقبلاته الحانية بفرح، أنظر في عيون الناس وأعلق أمنيةً على صدر الأيام، أن يذيق الله برد الفرح ودفئه ويقينه لأهل الأسرى الأحرار الذين لا يزالون يرزحون تحت قهر الاحتلال!