في تصريحات لافتة لكارتر بعد لقائه بقيادات سعودية، أنه سيطلب من عباس إجراء انتخابات في الضفة والقدس وغزة، وأنها ستكون إحدى آليات العمل الديمقراطي لحلّ المشاكل العالقة بين حماس وفتح. لقد وضع كارتر بتصريحه ملف الانتخابات على الطاولة أمام عباس، وهو هنا يلتقي مع حماس واليسار الفلسطيني والمستقلين في هذا المطلب ، فهؤلاء جميعا يطالبون بالانتخابات لتجديد الشرعيات، واستكمال النقص الممتد على مساحة سنوات من التعطيل المتعمد لمكونات النظام السياسي الفلسطيني. مطالبة هذه الأطراف عباس بالانتخابات يضع عباس والسلطة في مأزق حقيقي، لأن من أوقف انتخابات النجاح بسبب فوز كتلة حماس في بير زيت يخشى لا محالة من سيناريو الانتخابات، وأن يجد نفسه خارج إرادة الأغلبية. وهنا قرر عباس فيما يبدو من تصرفاته مواجهة المطالب الفلسطينية، ومطالب كارتر ومجموعة الحكماء الذين يمثلهم بطريقتين: الطريقة الأولى تمثلت بإصداره تصريحا استباقيا يقول فيه : إنه سيدعو لانتخابات حين تكون الأجواء ناضجة لاستقبال الانتخابات، أو حين يكون الأمر لازما. والطريقة الثانية اتجه من خلالها إلى الطلب من حماس أن ترسل له كتابا خطيا بموافقتها على الانتخابات، وبتقبل نتائجها؟! وهو أمر كرره المقربون منه في الإعلام. وإذا تأملنا ما في الطريقتين جيدا، وجدناه يستهدف فيهما تعطيل الانتخابات وتأجيلها، وإلقاء عيب التأجيل على حماس. ومن المعلوم جيدا أن عباس تراجع في ملف الانتخابات عما ورد في اتفاق الشاطئ . حيث تراجع عن إصدار مرسوم يدعو الناخبين فيه لانتخابات رئاسية وتشريعية؟! ومن المعلوم أنه كان قبل اتفاق الشاطئ يكرر فهمه للمصالحة على أنها حكومة توافق تعدّ لانتخابات، وحين أخذ الحكومة أهمل ملف الانتخابات، وأخذ يتحدث عن الأجواء الملائمة، وعن ورقة موافقة مكتوبة من حماس ؟! ونحن نعلم أن انتخابات ٢٠٠٦م جرت بمرسوم، وبدون ورقة خطية من حماس؟! وهنا فإنه من حق كل مواطن أن يسأل عن الأجواء متى تكون مناسبة؟! ومتى تكون غير مناسبة؟! ومتى تكون الانتخابات لازمة ومتى تكون زائدة وغير لازمة ؟! وهي بالقانون مستحقة منذ فترة طويلة؟! وهل من حق عباس أن ينفرد بقرار الانتخابات بعيدا عن القانون الأساسي الفلسطيني ؟! عباس يرى والله أعلم أن نهاية دوره ستبدأ لا محالة مع مرسوم الانتخابات. وأن مرسوم الانتخابات سيعني البدء الفوري في حلّ مشاكل غزة العالقة، وبالذات مشاكل الموظفين ودمجهم ورواتبهم. وهذا ما لا يريده عباس لأن الانتخابات ستخدم حماس ورؤيتها السياسية، كما حصل في بيرزيت . عباس لا يريد انتخابات لأنه لا يريد حلّ مشاكل غزة هذا من ناحية، وهو من ناحية ثانية لا يريد الانتخابات الآن لأنه لا يريد نتائج مفاجئة كنتائج جامعة بيرزيت؟! عباس استخدم مناورة ذكية قبل اتفاق الشاطئ للحصول على ورقة الشرعية والحكومة ، من خلال الضغط على حماس بملفي ( حكومة الوحدة الوطنية، وملف الانتخابات، وأن من مهام حكومة الوحدة الوطنية الإعداد للانتخابات) ، وزعم أنه لن يترشح للانتخابات؟! وقعت حماس في فخ عباس ومناوراته. ثم تراجع هو عن الانتخابات، ولم يسمح للحكومة بعمل شيء في هذا الملف، وحين تتزايد الضغوط عليه يواجهها بما ذكرنا آنفا. ويواجهها أيضا بما لم نذكره، وأعني لعبة الدستور، وتكليف لجنة باستكمال إعداد الدستور. وهنا يمكنه ربط موعد الانتخابات بعملية الانتهاء من إعداد الدستور، تحت زعم أن فلسطين الآن دولة، وليست سلطة؟! ، وما كان سابقا في عهد السلطة لا يصلح أن يكون في عهد الدولة ؟! عباس لا يريد انتخابات لأنه مرتاح لما هو فيه الآن، فهو يعمل بلا مجلس تشريعي يراقب عمله، ويحاسبه. وهو يمسك بكل خيوط العمل بيده دون شراكة من أحد، أو مناكفة من أحد. عباس قدس الله سرّه هو السلطة التنفيذية، وهو السلطة القضائية، وهو السلطة التشريعية، وهو المنظمة، وهو فتح، وهو القرار. وهذه كلها سلطات ملاكي ؟! فلماذا الانتخابات ووجع الدماغ؟!
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.