ذاك الرجل ... في الخمسينات من العمر, شاحب اللون مضاف عليه شقوة مليار سنة, يرتدي "جلابية" واحدة فقط لا غير رمادية اللون, و"شبشب" أسمر اللون لا يتعدى ثمنه الخمسة شواكل, والسيجارة لا تفارق فمه, ما إن يطفئ الأولى تنطلق الثانية لتصطف على شفتيه كما "الماكنة" في المصنع, وبغض النظر هل يشتري الدخان أم أنه خليط ما بين الشراء و"الشحتة" المصحوبة بقليل من "التمليس" لصاحب الدخان والمدح الكاذب؟. يقال بأن هذا الرجل هو "رجل الإصلاح في شارعنا العريق", والدليل على ذلك أنه لا توجد مشكلة في الحي إلا وتراه فيها, -قد لا تكون هذه علامة إصلاح هكذا قال لي أبي- والدليل أيضا لا يخرج من مشكلاته بحل!!. هذا الرجل باختصار "سوسة الإصلاح" يفتعل المشكلة ويحيكها في بداية الأمر بطريقة خفية وما إن يشبك الأطراف ببعضهم البعض, ينتفض من مكانه ليبدأ الإصلاح على طريقته المتمثلة بمصلحة مسبقة يخططها في ذهنه, ونتيجة لإصلاحه يريد من كل الحي مصالح ثمناً لما قام به بالرغم أن المشكلة لم تخرج من تحت رأسه. اتفق الجميع أن يعرفوا سبب زيادة المشاكل في الحي فعينوا لجنة إصلاح تقوم بمتابعة الأمور, ومن يومها ابتدأ "سوسة الحي" بالتشكيك بنوايا اللجنة, والطعن فيها خوفاً على مصالحه, وعدم قبوله لأي من اللجان أو البشر أو الجن أن يكونوا بدلاً عنه أو حتى شركاء له, فمبدأه المصالح وليس المشاركة. يا ليتني لم أعرف هذا الرجل, لأني كل ما أراه أثناء وجودي في الحي أعلم جيداً أن مؤامرة تحاك, ومصيبة قادمة بالأفق مليئة بالعواصف والزوابع, وقد كثف وجوده في الفترة الأخيرة, حتى قلت له في وجهه بكل جرأة وصراحة: "يا راجل حِلْ بُوزَكْ عنَّا خَلِّي المصالحة الفلسطينية بين غزة والضفة تنجح".