بينما تعمل دولة الاحتلال على تمزيق الدول العربية من خلال تمويل الصراعات الداخلية وتشجيع الحروب العرقية والطائفية، بغرض إشغال العالم العربي حكاماً ومحكومين عن القضية الفلسطينية، بعد فشل مشروع العرب التفاوضي مع المحتل، ولتوفير فرص أفضل أمام المستوطنين وحكومتهم للسيطرة الواقعية على ما تبقى من القدس والضفة، تجد مجموعات عربية وإسلامية وأجنبية متفطنة جيدا لطبيعة الصراع في فلسطين، وأسبابه، وسياسة الاستيطان وأخطارها. بعض هذه المجموعات المختلطة من أناس يرفضون الاحتلال والاستيطان ويؤيدون حق الفلسطينيين في الحرية وتقرير المصير، كان اتحاد طلاب الجامعات البريطانية، الذي اتخذ مؤخراً قرارا بمقاطعة (إسرائيل)، وهو حدث كبير على مستوى المقاطعة الأكاديمية، التي حظيت سابقا بتأييد قطاع واسع من الأساتذة والأكاديميين في الجامعات البريطانية والأوروبية، قبل أن تتطور من خلال انضمام الطلاب لهذه المقاطعة. لم يحظ قرار مقاطعة اتحاد الطلاب البريطاني بتغطية إعلامية كافية من فلسطين، أو من غيرها من الدول العربية، بينما عقدت بسببه ( الكنيست ) جلسة خاصة طارئة، تحدث فيها نتنياهو، وغيره من الوزراء. العواصم العربية مشغولة عن فلسطين بنزاعاتها الداخلية التي باتت تستنزف قدراتها المالية وغير المالية، بينما يعلّق قادة "تل أبيب" أجراس الخطر في كل بيت يهودي داخل فلسطين المحتلة وخارجها تحت عنوان: "أوروبا تعادي السامية، وأوروبا تخرج من يدنا؟!". تقول (أييلت شاكيد) وزيرة القضاء في حكومة نتنياهو الأخيرة: ( هناك ثلاثة عوامل تقف خلف حملة مقاطعة (إسرائيل)، بي. دي. إس، اقتصاديا وأكاديميا وثقافيا، وهي: معاداة السامية، والإسلام الراديكالي، والسذاجة؟!). بينما يقول نتنياهو تعليقا على الظاهرة: ( الأجواء الدولية غدت مشحونة بالسخافة، وباللسان المزدوج، وبالنفاق؟!). وشكلت وزيرة الثقافة في حكومة نتنياهو لجنة تضم خبراء دوليين لمواجهة حملة مقاطعة (إسرائيل)؟!. ثمة تجربة مهمة في التاريخ الحديث تهدد شرعية الاحتلال والاستيطان الصهيوني، أعني بها تجربة مقاطعة النظام العنصري في جنوب أفريقيا، وهي تجربة تكللت بالنجاح وإسقاط شرعية نظام الفصل العنصري من خلال مقاطعته، ومن ثم تمكن العالم من إعادة الحق للسكان الأصليين بغير قتال، هذه التجربة الجيدة يمكن لها أن تتكرر مع دولة الاحتلال والاستيطان العنصري لو تنبه إلى أهميتها الفلسطينيون والعرب وقرروا المشاركة فيها ودعم قادتها. حدثني نشطاء من هذه الحملة بأنه لا يوجد بينهم سفير فلسطيني أو عربي، ولا حتى موظف فلسطيني أو عربي في سفارات أوروبا، وأن جل القائمين على حملة نزع الشرعية عن الاحتلال والاستيطان هم مواطنون أجانب من قادة المجتمع المدني الأوروبي، ونشطاء عرب ومسلمون من الجاليات المهاجرة أو الملتحقين بالدراسة. ومن البديهي أن تعاني هذه الحملة من غياب التمويل العربي والفلسطيني، وهي تعاني من الاتهامات الإسرائيلية لها بمعاداة السامية؟! وهي تهمة خطيرة في المجتمعات الأوروبية. ما أود قوله في النهاية: إن نزع الشرعية عن دولة الاستيطان والعدوان لا علاقة له بمعاداة السامية، ولا علاقة له بالإسلام الراديكالي، ولا بالسذاجة الدولية، بل هو نتيجة طبيعية للإدراك العالمي المتزايد بخطورة الاستيطان، وتزايد العنصرية في ظل حكومة نتنياهو، وهذا ما قاله اليسار الإسرائيلي نفسه ردا على تصريحات نتنياهو ووزرائه، لذا خيّر اليسار نتنياهو بين المجتمع الدولي والاستيطان، قائلا: إما الاستيطان وفقد الشرعية الدولية، وإما الشرعية الدولية ووقف الاستيطان، ولا وجود لشيء اسمه معاداة السامية في أوروبا.
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.