18.9°القدس
18.72°رام الله
17.75°الخليل
23.94°غزة
18.9° القدس
رام الله18.72°
الخليل17.75°
غزة23.94°
الخميس 10 أكتوبر 2024
4.92جنيه إسترليني
5.32دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.12يورو
3.77دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.92
دينار أردني5.32
جنيه مصري0.08
يورو4.12
دولار أمريكي3.77

خبر: جدل الأفكار بين الإسلاميين والعلمانيين

67
67
بسام ناصر

 تُوفر الحوارات المتاحة على مواقع التواصل الاجتماعي، (خاصة الفيس بوك لإتاحته مساحة أوسع) مادة خصبة لمعرفة كيفية تعاطي المتحاورين مع أفكار ورؤى مخالفيهم، بتتبع مجريات الحوار ورصد المساجلات الساخنة التي تجري هناك.

من أكثر الحوارات سخونة، تلك التي تجري بين الإسلاميين والعلمانيين، فأغلب اتجاهات الإسلاميين تقف موقفا دينيا صارما من العلمانيين، ولا يتردد كثير من الإسلاميين في وصم العلمانيين بارتكاب جناية عظمى بشأن تحديد موقفهم من إشكالية العلاقة بين الدين والدولة، بتبني خيار الفصل بينهما، وفي الوقت نفسه لا يتردد العلمانيون عن وصف الإسلاميين بالتشدد والتزمت، وتقمص الحق الإلهي في إدارتهم لشؤون الدولة والناس.

وبخصوص مواقف الإسلاميين من الديمقراطية، فالعلمانيون دائما ما يشككون في صدق وجدية بعض اتجاهات الإسلاميين حينما يعلنون عن انحيازهم إلى الخيار الديمقراطي، فيصفون ذلك التوجه بالانتهازية السياسية، وتوظيف الخيار الديمقراطي للوصول إلى السلطة، ثم سرعان ما يتنكرون له، ويديرون له ظهورهم، حتى لو أقسم لهم الإسلاميون الأيمان المغلظة على صدق توجههم ذاك وجديتهم فيه، إلا إنهم يصرون على مواقف التشكيك، والتخوف الدائم من الإسلاميين.

من النماذج الإسلامية الواضحة في هذا الاتجاه، نموذج الشيخ راشد الغنوشي، فالرجل أعلن مبكرا عن تبنيه للخيار الديمقراطي، بلا قيود ولا شروط، وأنه يلتزم به التزاما كاملا، وهو من أول المفكرين الإسلاميين الذين نظروا بجرأة لمسألة الحريات في كتابه «الحريات العامة في الدولة الإسلامية»، إلا إن العلمانيين رغم وضوح الرجل يشككون في صدق توجهه، ويطعنون في جديته.

كتب أحدهم (مسلم علماني!) منشورا قال فيه «العارف بالفقه التقليدي كما بأدبيات الإسلام السياسي الإخواني، يعلم جيدا أن الإسلام والديمقراطية لا يلتقيان، بل تُعتبر الديمقراطية كفرا لأنها حكم بغير ما أنزل الله» .لا يخفى على الباحث الحصيف تلبس الكاتب بآفة التعميم، وعدم قدرته على تصنيف الأقوال وفرزها بحسب واقعيتها، فالإخوان المسلمون كما هو مشهور عنهم لا يقولون بكفر الديمقراطية، وقد أعلنت جماعاتهم عن تبنيها للخيار الديمقراطي، وشاركت عمليا فيه في عدة دول عربية وإسلامية.

وفي رد صاحب المنشور على تعليق صديق له سأله إن كان تقييمه السابق لحركات الإسلام السياسي ينطبق على فكر الشيخ راشد الغنوشي، قال بأنه يرى أن الغنوشي والقرضاوي وأردوغان هم زعماء هذا التحول، إلا إن هذا الكلام استثار صديقا آخر لم يرتض هذا الكلام، فكتب معلقا «ما قرأته في كتاب «الحريات العامة في الدولة الإسلامية» للغنوشي لا يطمئن لجهة تركيزه على «الشريعة» كأساس للسلطة والحكم والمرجع الحاسم في خيارات الدولة»
وتابع قائلا: «مع الإشارة إلى أن موقف هذا الرجل يبقى ضبابيا خاصة إذا سمعت تصريحاته في وسائل الإعلام المنفتحة على الآخر، خاصة تصوره لدور الدولة في المجتمع، هناك ضبابية وتناقض! ثم خلص إلى القول «هناك فكر مشترك بين كل تيارات الإسلام السياسي منطلقها الحديث النبوي – الذي لا أعلم مدى صحته – «... ثم تكون خلافة على منهاج النبوة». كل هذا التيار يؤمن تماما بهذا الحديث، هناك من يصرح مثل خطاب حزب التحرير.. وهناك من يوارب ويخفي مثل الإخوان، رغم أن حمادي الجبالي قد صرح بذلك في خطابه المشهور في انتخابات سنة 2011... لا نثق بهم».

غالبا ما تثار هذه التشكيكات في وجوه الإسلاميين، وهي أداة العلمانيين في انتقاد توجهات حركات الإسلام السياسي، لكن بعيدا عن المستوى التنظيري للمسألة، فإن الإسلاميين لم يتم اختبار صدق توجهاتهم عمليا، لأنه لم تتح لهم فرصة حقيقية حتى يتم رصد مواقفهم وسلوكياتهم في هذا الاتجاه.
مع أن حركة النهضة حينما تسلمت السلطة في تونس، كانت أمينة في المحافظة على أفكارها المعلنة بشأن الديمقراطية والحريات، وقد أثارت مواقف قياديها بعدم لجوئهم للقوة لفرض «أحكام الشريعة» ردود فعل ساخطة في أوساط إسلامية ترى وجوب تطبيق تلك الأحكام فورا، كما أن تجربة الإخوان في مصر لم يسجل عليها اعتداء على الحريات العامة، ولم تلجأ أبدا للقوة لإكراه الناس على ما تؤمن به وتدعو إليه.

يبدو أن الخلاف يتجاوز ذلك كله، فالعلمانيون يريدون من الإسلاميين تنحية الشريعة جانبا، وعدم اعتبارها المرجع الأعلى لهم في كافة رؤاهم ومواقفهم، واعتبار الدين والشريعة شأنا فردانيا شخصيا، لا علاقة له بالحياة العامة، وشوؤنها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ما يعني أن الاختلافات بين العلمانيين والإسلاميين جذرية، وهي غائرة في أصول الرؤية والفكر، ما يشي بالضرورة باستمرار جدل الأفكار بينهما وعدم توقفه أبدا.