14.43°القدس
14.15°رام الله
13.3°الخليل
18.35°غزة
14.43° القدس
رام الله14.15°
الخليل13.3°
غزة18.35°
الأحد 05 مايو 2024
4.66جنيه إسترليني
5.24دينار أردني
0.08جنيه مصري
4يورو
3.72دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.66
دينار أردني5.24
جنيه مصري0.08
يورو4
دولار أمريكي3.72

خبر: ما أقل الثورات وما أكثر الخيبات!

كثيراً ما نسمع المقولة الشهيرة: "إنّ من ينجز نصف ثورة كمن يحفر قبره بيديه"، وغالباً ما يسوقون تلك المقولة للتأكيد على أنّ الثورات التي تندلع يجب أن لا تتوقف أبداً حتى تنجز كامل أهدافها، لأن الثورة، برأي المناضل التاريخي الشهير تشي جيفارا "كالدراجة، إذا توقّفت سقطت". لكن ليس صحيحاً أيضاً أنّ كل الثورات تنتهي بالانتصار، حتى لو استمرت لسنوات وسنوات، فهناك الكثير من الثورات العربية التي فشلت رغم التضحيات الكبيرة التي قدّمتها قرباناً من أجل التحرر من الظلم والطغيان، فالنضال الثوري لا يحقق مبتغاه في أحيان كثيرة لسبب أو لآخر. وبالرغم من إطلاق الرئيس الأميركي باراك أوباما صفة "الربيع العربي" على الثورات العربية، إلاّ أنّ الربيع لم يزهر بشكل طبيعي عملياً إلاّ في بلدين عربيين فقط لا غير، ألا وهما تونس ومصر لأسباب لم تتوفر في بقية الدول العربية كاليمن وليبيا وسوريا والبحرين. وبالتالي علينا أن نسلم، بناء على النتائج المختلفة التي خلّفتها الثورات العربية، بأنّ الرياح قد تجري بما لا تشتهيه سفن الثوار في كثير من الأحيان. ولنا في التاريخ الحديث العديد من الأمثلة التي لا نسوقها هنا لتحبيط وتثبيط الهمم، بل لأخذ العبرة من تجارب الماضي التي انتهت نهايات مأساوية فاشلة. لماذا نسينا أو تناسينا أنّ الشعب الجزائري قام على مدى عقد التسعينيات من القرن الماضي بثورة شعبية عظيمة من أجل التحرر من ربقة جنرالات القتل والظلم والفساد والإفساد الذين حوّلوا البلاد إلى ما يشبه المزرعة الخاصة. كلّنا يتذكّر كيف بدأت الثورة الجزائرية سلمية نتيجة انقلاب النظام الحاكم وقتها على نتائج الانتخابات التي فاز فيها الإسلاميون بشكل ساحق، فما كان من الإسلاميين ومعهم غالبية الشعب الجزائري إلاّ أن هبّوا هبّة رجل واحد ليس للمطالبة فقط بإقرار النتائج، بل للتخلص من نظام الطغيان العسكري الذي حكمهم منذ الاستقلال. وقد استطاع الشعب الجزائري الثائر وقتها أن ينتصر في الشوارع لفترة من الزمن، لكن سرعان ما استعادت المؤسسة العسكرية الحاكمة زمام المبادرة، وراحت تضرب الثورة في الصميم لتحوّلها بعد عشر سنوات إلى هباء منثور، خاصة وأنّه كلما طال أمد الثورة ضاق الشعب ذرعاً بها وبنتائجها الوخيمة على حياته اجتماعياً واقتصادياً. عندما رأى جنرالات الجزائر أنّ الثورة يمكن أن تهدد عرينهم فعلاً، بدؤوا يلجؤون إلى كل الأساليب القذرة لتفريغ الثورة من محتواها وتصويرها في عيون الشعب إلى عمل إرهابي، وذلك من خلال تحويلها إلى سلسلة من أعمال العنف والتفجيرات. وكي يضربوا الحركة الإسلامية ذات الشعبية العالية وقتها خلقوا جماعات إسلامية أخرى واخترقوها استخباراتياً وجعلوها تعيث دماراً وخراباً في البلاد، وذلك كي يجعلوا الشعب المتعاطف مع الإسلاميين الثائرين يكفر بالثورة. ويشير باحثون جزائريون من خلال كتب كثيرة، وخاصة كتاب "سنوات الدم في الجزائر" إلى أنّ الاستخبارات والجيش الجزائري كان يعمل مع جماعات الإرهاب على تفجير الأماكن العامة والمؤسسات الحكومية، ثم يلصق التهمة بالثوار كي يفشل ثورتهم ويؤلب الشعب عليهم، وقد نجحت المؤسسة الحاكمة في إخماد الثورة الشعبية بكل الوسائل والطرق القذرة، خاصة وأنّ الغرب لم يكن في ذلك الوقت يحبّذ وصول الإسلاميين إلى السلطة حتى عن طريق صناديق الاقتراع. وتم الالتفاف على الانتفاضة الشعبية بإصلاحات هزيلة للغاية لم تمس جوهر المطالب التي رفعها الجزائريون في ثورتهم، لا بل إنّ النظام الجزائري استطاع أن يغيّر وجه الثورة الشعبية التي استمرت عقداً كاملاً وراح ضحيتها أكثر من مئتي ألف قتيل ومئات ألوف المفقودين والمشردين إلى ما سماها بـ"العشرية السوداء"، وذلك إمعاناً في تشويه الثورة وإحباط الثوار. ولو نظرنا إلى ما حققته الثورة الجزائرية لوجدنا أنّها لم تحقق شيئاً، فجنرالات الأرز والقمح والنفط ما زالوا يحكمون قبضتهم على الحياة السياسية والأمنية في البلاد حتى هذه اللحظة. وفي نفس الفترة التي انطلقت فيها الثورة الجزائرية، هبّ الشعب العراقي في انتفاضة عارمة شملت وقتها أربع عشرة محافظة من أصل ثمان عشرة محافظة عراقية، وقد استطاع الثوار العراقيون وقتها إسقاط الحكم المحلي في معظم المحافظات، لكن نظام الرئيس صدام حسين وقتها استطاع بقوته العسكرية الضاربة أن يقضي على الثورة بارتكاب مجازر يندى لها الجبين لوحشيتها وهمجيتها. وقد تحجج النظام وقتها بأنّها لم تكن ثورة شعبية بقدر ما كانت حركة دعمتها إيران، وهذا طبعاً كلام فارغ، فكل الأنظمة تحاول تشويه الثورات التي تقوم ضدها وتصوّرها على أنّها مؤامرات خارجية. ويروي بعض العراقيين الذين شاركوا في ثورة 1991 أنّهم كانوا يقفزون فوق الجثث واللحوم البشرية المتناثرة على الطرق والشوارع كي يتجنّبوا الدوس عليها. ولا ننس أنّ الأمريكان وقتها غضّوا الطرف عن قمع النظام العراقي للثورة، لا بل كانوا يسهلون الأجواء للطائرات العراقية كي تقصف الثوار. وبعد تمكّنه من إخماد الثورة الشعبية على نظامه، حكم الرئيس العراقي الراحل صدام حسين لمدة ثلاثة عشر عاماً حتى أزاحه الأمريكان بغزو عسكري كبير عام 2003. وقبل سنوات فقط ثار إقليم دارفور في السودان للمطالبة بحقوقه المهضومة والمساواة مع بقية أرجاء البلاد، فما كان من النظام السوداني إلاّ أن جنّد جيشه وشبّيحته المعروفين بالجنجاويد كي يعيثوا قتلاً ودماراً في دارفور، فأحرقوا مئات القرى وقتلوا مئات الألوف من المدنيين، وبقي النظام السوداني في الحكم حتى هذه اللحظة، والعقاب الوحيد الذي تلقّاه من الأسرة الدولية اتهامه بارتكاب جرائم بحق الإنسانية، مما جعل محكمة الجنايات الدولية تلاحقه دولياً. لكن مع ذلك، فلم يعرها البشير أيّ اهتمام، بدليل أنّه يجوب العالم رغماً عن أنف المحكمة والأمم المتحدة. بعبارة أخرى، فإنّ أيّ نظام يستطيع أن يواجه الشعب فيما لو ثار ضده، وذلك بتسليط جيشه وأجهزة أمنه عليه بسهولة فائقة ويقضي على ثورته. ولولا تدخل حلف الناتو في ليبيا لكان القذافي حاكماً حتى الآن حتى لو على أنقاض المدن الليبية. بعبارة أخرى، فإنّ الذي حرر ليبيا من الطغيان ليس ثوار الأرض، بل طائرات الأطلسي التي لولاها لسحقت قوات القذافي الثوار ودمرت المدن فوق رؤوسهم. وبالرغم من أنّ الثورة السورية امتدت من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال إلاّ أنّها بعد عام على اندلاعها ما زالت تراوح مكانها، لأن النظام في سوريا، كما في ليبيا، قرر استخدام كامل قوته العسكرية والأمنية لإخمادها. ولو ظل الأمر على حاله في سوريا لأصبح مصير الثورة السورية كمصير الثورتين الجزائرية والعراقية، فالثورات السلمية لا يمكن أن تنجح في بلدان قرر حكامها البقاء في السلطة حتى على جماجم الشعب. طبعاً لا نقول هذا الكلام كدعوة للتدخل الدولي في سوريا، معاذ الله، فالغرب ليس جمعيات خيرية، وكل شيء بثمنه. وكل ما يتمنّاه المرء لسوريا أن تنتهي أزمتها على الأقل على الطريقة اليمنية بأقل الخسائر، مع العلم أنّ الثورة اليمنية دخلت التاريخ ليس كثورة حقيقية، بل كصفقة مفضوحة بدليل أنّ الرئيس الجديد فاز بـ99 فاصلة 98 من أصوات الشعب، أيّ أنّ حليمة عادت إلى عادتها القديمة، وكأنّك يا بو زيد ما غزيت. ومع ذلك نقول مجبرين: "لم لا، فما لا يدرك كله لا يترك جلّه". أكرر ثانية أنّ الكلام أعلاه ليس لتثبيط الهمم، بل للتحذير والتنبيه وأخذ العبر من تجارب الماضي، فما أكثر العبر وما أقل الاعتبار!