وثقت الهجمات الإرهابية التي تعرضت لها باريس وبروكسل، الدور الكبير الذي يلعبه المقاتلون الأجانب في توسيع نشاط تنظيم داعش، واختراقه الإجراءات الأمنية المشددة، في حين رصدت تقارير إعلامية غربية مراهنة التنظيم على المقاتلين الأجانب، ووصفهم بالمكون الأساسي ذي "المهمة العالمية"، مؤكدة أنهم باتوا سببا في نشوب الخلافات مع المقاتلين العرب، ووصلت إلى درجة العنف نظير حصولهم على كثير من الامتيازات، كنوع من التعويض عن حياة الرفاهية التي كانوا يعيشونها.
في الوقت الذي بدأ تنظيم داعش في استهداف الولايات المتحدة وأوروبا، لا سيما بعد تورط عدد من عناصر التنظيم في تنفيذ العمليات الإرهابية في بروكسل الأسبوع المنقضي، وهجمات باريس في 13 نوفمبر الماضي، ممن يُعتقد أنهم سافروا أخيراً إلى الشرق الأوسط قبل أن يعودوا ثانية إلى أوروبا لشن الهجمات الإرهابية، أرجعت تقارير هذا النشاط الموسع لداعش لوجود المقاتلين الأجانب الذين يراهم التنظيم مكونا أساسيا فيما يسميه "مهمته العالمية"، غير أن هذه التقارير أشارت إلى أن أولئك المقاتلين الأجانب باتوا سببا في نشوب الخلافات مع المقاتلين المحليين، وأن هذه الخلافات وصلت إلى درجة العنف.
وقالت التقارير إنه إذا كانت هجمات بروكسل تبين الدور الذي يلعبه المقاتلون الأجانب في توسيع نشاط داعش، فإن القصص التي يرويها عدد من الأشخاص الذين يعيشون في المناطق التي يسيطر عليها، وبعض المراقبين الذين يدرسون التنظيم تبين وجود مشكلات تتعلق باندماج المقاتلين الأجانب في البيئة المحلية التي انتقلوا إليها.
ووفقا لصحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، فإن المناطق التي يسيطر عليها تنظيم داعش تشهد الكثير من التوتر بسبب الانتكاسات التي لحقت بالتنظيم في المعارك الأخيرة في العراق وسورية والمتاعب المالية التي بدأ يواجهها أخيراً، لافتة إلى أنه بمرور الوقت، وبسبب اختلاف الميزات الإدارية والمالية بين المقاتلين المحليين والأجانب، فإن حركة تذمر بدأت تظهر داخل التنظيم من جانب المقاتلين المحليين.
وأشارت الصحيفة إلى أنه من أهم أسباب الاستياء لدى المحليين المزايا التي يحصل عليها الأجانب منذ اللحظات الأولى لوصولهم، لافتة إلى أن الأجانب يحصلون على مساكن راقية في الرقة والموصل والمناطق الأخرى التي يسيطر عليها داعش، في حين يسكن المقاتلون المحليون في مناطق عادية. كما أن التعويضات المالية التي يحصل عليها المقاتلون الأجانب أعلى بكثير من تعويضات المقاتلين المحليين، بحجة أن التنظيم يريد تعويض المقاتلين الأجانب عن حياة الرفاهية والراحة التي تخلوا عنها في بلادهم وجاؤوا إلى المناطق التي يسيطر عليها التنظيم. وأكدت الصحيفة أن هذا التمييز جعل عدداً من المقاتلين المحليين ينشقون عن داعش وينضمون إلى جماعات متطرفة أخرى.
مواجهة بسوق الموصل
قال أحد سكان الموصل -حسب "وول ستريت جورنال"- إنه شهد مواجهة بين مقاتلين أجانب ومحليين في أحد الأسواق المزدحمة في المدينة منذ أسابيع قليلة، مبينا أن مثل هذه المواجهات أصبحت مألوفة. وأضاف أن "أحد المقاتلين الأجانب سب رجلاً عراقياً كبيراً في السن لأن لحيته كانت قصيرة، وبدلاً من أن يتحمل الإهانة التي أصبحت روتينية في مناطق سيطرة داعش، رد الرجل بقوة على المقاتل الأجنبي وشتمه، مما أثار دهشة الناس الموجودين في المكان، لكن ما تلا ذلك كان أكثر إثارة للدهشة، حيث تدخل ستة مقاتلين محليين من داعش في صالح الرجل العراقي المسن، وأوسعوا زميلهم الأجنبي ضرباً ثم قيدوه وألقوا به في سيارة وانطلقوا مسرعين.
وأشارت الصحيفة إلى أن كثيراً من المقاتلين الأجانب، خاصة القادمين من أوروبا، لا يبدون الكثير من الاحترام للتقاليد المحلية أو القبلية في غرب العراق وشرق سورية، وكثيراً ما تقوم دوريات "الحسبة" بإهانة النساء والشيوخ لأسباب يعتبرها السكان المحليون بسيطة مثل التدخين والملابس التقليدية. كما أن عشرات المقاتلين المحليين انشقوا عن داعش أخيراً في مدينة دير الزور في شرق سورية وانضموا إلى تنظيمات أخرى بعد أن اتهموا رفاقهم الأجانب باستغلالهم ودفعهم للمناطق الخطرة.
جواسيس لبلادهم
أوضحت "وول ستريت جورنال" أن الاستياء تزايد أخيراً بسبب الخسائر المتلاحقة التي مني بها التنظيم، لا سيما بعد أن خسر داعش مواقعه في منطقة "تل أبيض" شمال سورية لصالح المقاتلين الأكراد في الخريف الماضي.
وفي هذا السياق، أشارت الصحيفة إلى أن المقاتلين المحليين ألقوا باللوم على زملائهم الأجانب بسبب عدم تقديم الدعم الكافي لهم، حتى إن أحد الناشطين المحليين في الرقة تحدث عن وجود شكوك بأن بعض المقاتلين الأجانب هم في الواقع جواسيس يعملون لصالح بلادهم في المنطقة، الأمر الذي جعل التنظيم يستبدل عدداً من القادة الميدانيين الأجانب بقادة محليين.
ومع أن الصفوف العليا في داعش يشغلها قادة محليون وأجانب في العراق وسورية، فإن القادة الأجانب كثيراً ما يلومون المحليين في أي انتكاسة يواجهها التنظيم، وأحياناً يوجهون إليهم تهمة الخيانة ويقومون بإعدامهم بشكل علني لتخويف الآخرين، وهذا يعزز إحساس السكان بأن الأجانب هم في الحقيقة محتلون متوحشون.