توافد مئات المهنئين والمباركين من محبين ومواطنين وشخصيات اعتبارية من المجتمع المدني والفصائل الوطنية، وعمت الفرحة والبهجة المكان، وارتسمت الابتسامة على الوجوه، بتجدد حياة وفتح بيت جديد لأحد شباب غزة في صورة بهية تجمع بين التحدي والإصرار وبين الحب والوفاء.
لم يخفِ الجريح محمد عواد أبو جزر 29 عامًا من مدينة رفح جنوب قطاع غزة، سعادته الكبيرة وهو يستقبل المهنئين في حفل زفافه الثاني، بعد أن استشهدت زوجته واثنين من أبنائه وبترت أقدامه في استهداف للطائرات الحربية الإسرائيلية لمنزله خلال حربها على غزة عام 2014، في تحدٍ للجراح رغم الألم، وتأكيدٍ على استمرار الحياة في ذكراها الثانية.
تحدٍ للاحتلال
وخلال حديث أبو جزر لـ"فلسطين الآن" يوم زفافه الثلاثاء الماضي، قال:"نحن الآن نعيش ذكرى الحرب الثانية العصف المأكول، ونعيش خضم أحداثها الأليمة، والآن أريد بإصرار أن أفتح بيتا وأبدأ حياة جديدة مع زوجة هي أخت لزوجتي الشهيدة، وإن شاء الله نواصل الحياة والمسير وننجب الأطفال حتى نستطيع أن نعيش مثل الآخرين".
واعتبر أبو جزر أن الخطوة التي يقدم عليها هي رسالة تحدٍ وإصرار في وجه الاحتلال، مشيرًا أنه:"مهما فعل وقتل ودمر وشرد وبطش فنحن صامدون رغم المعوقات، فهذه أرضنا وهذه مقدستانا وهذه بلدنا فليرحلوا عنها، وسنواصل لآخر نفس في أجسادنا".
وأضاف:"سنواصل رغم الصعاب والضيق والحصار الذي يمارسه العدو الصهيوني بحق الشعب الفلسطيني، ونحن ننظر إلى المستقبل أنه مستقبل زاهر وسنعود لأرضنا قريبًا".
وتعرض الجريح أبو جزر لإصابة في الحرب الأخيرة على غزة صيف 2014 بعد قصف منزله بثلاثة صواريخ من الطائرات الحربية الإسرائيلية، صباح يوم الأحد 3/8، أدى ذلك إلى ارتقاء زوجته واثنين من أبنائه شهداء، وبترت قدماه الاثنتين من فرق الركبتين، وبقيت له طفلة عمرها 6 سنوات.
ومما يذكر من المشاهد العجيبة التي حدثت أنه تم الإعلان عن استشهاد أبو جزر ووُضع في ثلاجات الشهداء بعد وصوله لمستشفى الكويتي، ويصف بقوله:"أعلنوا عني أني شهيد ووضعوني في الثلاجة لمدة ربع ساعة في مستشفى الكويتي".
وأضاف:"مع كثرة الشهداء والجرحى لم ينتظروا، وللأسف هي مستشفى صغير ولا ترتقي أن تستقبل شهداء وإصابات بهذا العدد، ويومها تعرف عليّ أحد أقاربي الأطباء وأخرجني من الثلاجة وقام بعمل بتنفس صناعي، والحمد لله حولت بعدها على مستشفى ناصر".
كانت إصابة أبو جزر بليغة جدًا لدرجة الموت السريري، وسافر إلى دولة تركيا في رحلة علاج استغرقت عامًا كاملًا لتركيب أطراف صناعية، وعاد منها في شهر بداية رمضان المبارك.
حبٌ ووفاء
وأعرب أبو جزر عن عدم تردده ثانية واحدة في الزواج، ورسم صورة جميلة من الوفاء عندما اختار أن يكمل حياته مع شقيقة زوجته الشهيدة.
وقال:" لم أتردد ثانية في أن أتزوج من جديد وأطرق باب نسايبي بعد إصابتي مباشرة، ولم يترددوا بتاتا، بل بالعكس سارعوا بالموافقة، والتأخير فقط كان بسبب رحلة العلاج، والحمد لله سنكمل أفراحنا رغم الجراح".
وأضاف:"الشعب الفلسطيني كله مجروح، ولا يخلو بيت من شهيد أو جريح أو مبتور، فبالتالي الناس يعرفون بعض والمحبة التي توجد في أبناء قطاع غزة وتكاثفهم واجتماعياتهم، وبالعكس هناك من الفتيات من يرغبن في هؤلاء الجرحى، ولا أعتقد أن هناك صعوبات".
وعبّر عن شعوره في يوم زفافه "شعور جميل الحمد لله، فيه السعادة والفرح والاطمنان، وهناك راحة نفسية رغم ما حدث من ألم وجرح، ولكن هي سنة الله في خلقه"، وتابع:"ما دام كل شيء بقدر الله لازم نكمل المسير مهما كانت العوائق والصعوبات، وهذه خطوة لإكمال النصف الآخر بعد استشهاد زوجتي واثنين من أبنائي، ونسال أن يرزقنا الذرية الصالحة".
وختم بقوله:"لا أنسى في هذا اليوم زوجتي الشهيدة وأبنائي الشهداء ، كان لهم نصيب في الحياة معي، واليوم أفتح بيتًا جديدًا بالزواج من شقيقة زوجتي، وهذا يؤكد على عمق العلاقة بين الأسر في قطاع غزة، وجميل أن يكمل الإنسان حياته مع من يحبهم مثل هؤلاء النسب".