حظيت زيارة وفد الحركات الإسلامية في الشرق الأوسط للعاصمة الأمريكية بالاهتمام الكبير، وذهب المعلقون إلى بعيد مدى في تحليلهم للزيارة، فمنهم من قال: إن الزيارة تندرج ضمن مسلسل الخيانة للمبادئ والوطن، والتآمر مع أمريكا على الربيع العربي. ومنهم من قال: الزيارة تأتي ضمن مسلسل التنازلات التي أوردت الرئيس السادات إلى التهلكة، وأوصلت ياسر عرفات من بعده إلى اتفاقية أوسلو التي تخلت عن 78% من أراضي فلسطين، ومنهم من خفف اللهجة، وقال: جاءت الزيارة للطمأنة، وللتأكيد أن المسلمين لا يكيدون شراً بالمصالح الأمريكية، ولا يضمرون العداء لاتفاقية كامب ديفيد. المعلقون على زيارة وفد الحركات الإسلامية لأمريكا غير حياديين في غالبيتهم، فإما أن يكون المعلقون مؤيدين للزيارة، ويدافعون عن مضمونها، وإما أن يكون المعلقون معترضين عليها، متوجسين خيفة على مستقبلهم السياسي من نتائجها، وإما أن يكون المعلقون متشككون في نجاحها، ونجاة الحركات الإسلامية من المصيدة الأمريكية، ولذلك لا يخلو تعليق من شهوة الانتماء الفكري، ومن شهية الولاء السياسي لفريق ضد آخر. ولكن أغرب ما في الأمر، أن أشد المنتقدين للزيارة هم الأكثر صداقة وارتباطاً بالسياسة الأمريكية الإسرائيلية! لن أدافع عن زيارة وفد الحركات الإسلامية لأمريكا، ولن أجهد نفسي في الاستدلال على المعاني السياسية للزيارة، فهذا من شأن الجهات الراعية للزيارة، وهم أدرى بأهمية الخطوات الدبلوماسية، وبالأهداف السياسية التي تتوخاها الحركات الإسلامية من مد جسور التفاهم مع أمريكا. ولكنني سألفت نظر القارئ العربي إلى أن وفد الحركات الإسلامية لأمريكا، لم يمثل دولة عربية بعينها، وإنما مثل معظم بلاد العرب، في وفد عربي إسلامي واحد، وينطق بلغة سياسية عربية واحدة، وهذا ما لم يسبق له مثيل منذ مئة عام من السياسة العربية، حيث ضم الوفد عشرة مندوبين من حركات إسلامية عربية، فكان من مصر عبد الموجود درديري وخالد القزاز، وكلاهما عضو في حزب الحرية والعدالة، ومن تونس عضوا المجلس الوطني عن حزب النهضة صبحي عتيق وأسامة الصغير، ومن الأردن نبيل الكوفحي، ومن ليبيا محمد جعير، ومن المغرب مصطفى الخلفي، إلى جانب ثلاثة وجوه اقتصادية، وجميعهم متصل بحركات إسلامية من تونس ومصر والأردن. لقد جرت العادة أن تلتقي الإدارة الأمريكية بحكام الدول العربية كل على انفراد، ووفق تقسيم "سايكس بيكو" الذي مزق حال العرب، وجرت العادة أن يهمس كل حاكم عربي في أذن أمريكا بلغته الخاصة التي تختلف عن لغته العلنية. لقد ظلت أمريكا تلعب الشطرنج، وتحرك حجارة الحكم في ميدان العرب وحيدة، حتى جاء الربيع العربي وأفرز قيادة عربية إسلامية موحدة، تتعامل مع القوى الدولية بندية، ولسان الجميع يقول مات "سايكس" مع شقشقة الربيع العربي المسلم، واندفن "بيكو" تحت أحذية الوفد الإسلامي العربي الموحد.
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.