على تلة إلى الشرق من مستوطنة "شيفوت راحيل" المقامة على أراضي المواطنين في بلدة قريوت جنوبي نابلس، سيقيم الاحتلال مستوطنة جديدة، على مساحة تزيد عن أربعمائة دونم تتبع قرية "جالود".
المستوطنة الجديدة ستربط بين جميع المستوطنات والبؤر الاستيطانية الواقعة التي يزيد عددها عن عشرة، لتشكل تجمعا استيطانيا كبيرا في قلب الضفة الغربية، يمتد على مساحة تزيد عن ستة عشر ألف دونم، من أراضي قرية جالود.
يقول رئيس مجلس قروي "جالود" عبد الله الحج محمد إن "المخطط الجديد سيقضي على ما تبقى من أراضي القرية التي تبلغ مساحتها الكلية عشرين ألف دونم، صادرت منها سلطات الاحتلال أكثر من ثلثيها على فترات متفاوتة، بما يعادل ستة عشر ألف دونم تقريبا.. وبالتالي تعد من أكثر القرى المتضررة بالزحف الاستيطاني، وذلك يعود للطوق الذي تفرضه عليها ثماني مستوطنات تحيط بها من جميع الاتجاهات".
ويوضح الحج محمد في حديثه لمراسل "فلسطين الآن" أن تلك المستوطنات والبؤر غير الشرعية، إضافة لنقاط عسكرية وضعها الجيش الإسرائيلي استولت على عدد كبير من الدونمات الزراعية وأشجار الزيتون، وأغلب ساكنيها من المتطرفين وجماعات "تدفيع الثمن"، الذين يقومون بالاعتداء على المواطنين بشكل دائم".
ويبين الحج محمد، أن سلطات الاحتلال سلمتهم إخطارا بمصادرة مئات الدونمات، نحو 400 دونم على أقل تقدير، من أراضي القرية، على بعد مئات الأمتار فقط من مدرسة القرية الثانوية.
ويتابع "بعد أن أخرجنا القيود المالية للأراضي التي تم إخطارها تبين بأن المساحة الإجمالية للأراضي المصادرة تبلغ 682 دونما موزعة على حوضين قريبين من المستوطنة، الحوض (13) الذي تبلغ مساحته 642 دونما، والحوض (16) بمساحة 40 دونما".
مستوطنة وليست توسعة
وتابع "رغم الإدانة الدولية للمخطط الاستيطاني الجديد، إلا أن الاحتلال نشر إخطارا بمصادرة تلك الأراضي، مدعياً أنه مجرد حي جديد يتبع مستوطنة مجاورة".. وتابع "هذا كذب محض، فالحي الذي يعنيه الاحتلال شيده قبل 4 أشهر في مستوطنة "شيفوت راحيل"، ويمكن لأي زائر لجالود وقريوت أن يراه بعينه، وقد ضمن أكثر من 30 وحدة سكنية، وجرى شق طريق يوصل إليه ويربطه بالمستوطنة والمستوطنات المجاورة".
وأشار إلى أن اختيار مكان هذه المستوطنة الجديدة يأتي لتنفيذ مخطط يقوم على إغلاق جزء من الشارع الرئيسي الواصل بين مدينتي نابلس ورام الله، ما يعني فعليا بدء تطبيق خطة فصل شمال الضفة الغربية عن وسطها.
وينوي أصحاب الأراضي المهددة بالمصادرة تقديم اعتراض للمحكمة الإسرائيلية، لكن هناك عقبات كما يوضح رئيس المجلس، إذ يقول "سنخرج القيود والوثائق اللازمة لتقديم الاعتراض على هذا القرار خلال شهرين من إصدار قرار المصادرة، لكن ما تسمى الإدارة المدنية ستماطل بإصدار التصاريح لنا للوصول إلى الأراضي المهددة بالمصادرة، لإخراج مخططات لها".
ورغم كل ما تمر به تلك القرية الوادعة التي لا يزيد عدد كأنها عن 850 نسمة فقط، استطاع الأهالي خلال الفترة القليلة الماضية استعادة 1700 دونم من الأراضي المصادرة.
مراضاة للمستوطنين
مسؤول ملف الاستيطان في شمال الضفة غسان دغلس أكد في حديثه لمراسل "فلسطين الآن"، "أن إنشاء هذه المستوطنة الجديدة على أراضي قرية جالود يأتي مراضاة للمستوطنين الذين سيخرجون من مستوطنة "عمونة" شمال مدينة رام الله، التي كانت المحكمة العليا الإسرائيلية أصدرت قراراً احترازياً بإخلائها منهم، وإعادة الأراضي إلى أصحابها الشرعيين".
ويضيف دغلس، "إن الحكومة الإسرائيلية ستقوم بعمل إجرامي جديد، بإقامة مستوطنة على أراضي قرية جالود لربط البؤر الاستيطانية ومستوطنة "شفوت راحيل" بعضها ببعض".
وطالب دغلس المجتمع الدولي بعدم الاكتفاء بالتنديد بأعمال الاستيطان التي تقوم بها الحكومة الإسرائيلية، بل بخطوات فعلية تجبرها على وقف هذه السياسية وتطبيق حل الدولتين.
أغراض الاستيطان
وبحسب الإعلان الصادر عن ما يسمى مجلس التنظيم الأعلى التابع لإدارة المدنية الإسرائيلية/ اللجنة الفرعية للاستيطان، سيتم تخصيص هذه الأراضي للأغراض التالية (للتجارة، للمباني ومؤسسات الجمهور، لمساحة عامة مفتوحة، مساحة للتخطيط المستقبلي والطرق، شبكة الطرق على أجناسها وأنواعها).
وحسب الإعلان يحق لأصحاب الأراضي الواقعة ضمن مخطط المصادرة، تقديم الاعتراض خلال شهرين من تاريخ نشر الإعلان.
تقسيم المقسم
وفي هذا الصدد، قال رئيس الحملة الشعبية لمقاومة الجدار والاستيطان، جمال جمعة إن مخطط المستوطنة الجديدة هو جزء من مخطط كبير، حيث يمتد هذا المخطط لقطع الضفة الغربية عن وسطها وجنوبها، كما أنه يمتد من كفر قاسم وحتى غور الأردن شرقاً.
وأوضح جمعة انه في العام 2014 أصدر بنيامين نتنياهو قراراً بتشريع بؤرتين استيطانيتين في هذا الخط، وتم تحويلهما إلى مستوطنات، من أجل استكمال الفراغات للوصل ما بين هذه المستوطنات في وسط الضفة.
وكشف جمعة النقاب عن أن الشارع الواصل بين رام الله ونابلس سيغلق من قرية سنجل حتى قرية الساوية، وبالتالي فإن المواطنين الفلسطينيين سيضطرون إلى سلوك طريق المعرجات القديم، لتمكين المستوطنات من التمدد على رؤوس الجبال، ليصبح الشارع بشكل كامل تحت سيطرة الاستيطان من مستوطنة "شيلو" وحتى غور الأردن، وبالتالي سيمنع الفلسطينيين من سلوك هذا الشارع الرئيسي.
وأضاف جمعة: "بالنظر إلى كل مرتفعات الجبال، ستكون هناك بؤر استيطانية ومستوطنات، وهناك بنى تحتية من أجل إكمال خط الفصل هذا، وهذا يتضمن مخطط كامل للضفة الغربية، في سبيل السيطرة على الضفة الغربية، وهو مخطط معلن، وليس سرياً".
وبين جمعة أن هذا المخطط سيجعل شمال الضفة الغربية معزولاً بشكل كامل عن وسطها وجنوبها، بحاجز واحد، وغالباً سيكون هو حاجز زعترة، لاستنساخ تجربة حاجز الكونتينر، والذي يعزل جنوب الضفة متى شاء الاحتلال.
حزام أمني متواصل
ويوافقه الرأي، الخبير في شؤون الاستيطان، خالد منصور، الذي قال إن "المغزى من إقامة هذه المستوطنة، هو الربط بين عدد من المستوطنات في منطقة قرى نابلس مع مستوطنات شرق رام الله في وحدة جغرافية، وفي حزام أمني متواصل يربط المستوطنات ببعضها البعض لتشكيل الأصبع الاستيطاني مع حاجز زعترا ومستوطنة "أرئيل" وحتى بلدة كفر قاسم".
وأضاف منصور –الذي يشغل وظيفة منسق الفعاليات الجماهيرية في حزب الشعب الفلسطيني-: "بالتالي الآن ما تقوم به حكومة الاحتلال ليس فقط عملية تضخيم المستوطنات، أو زيادة عدد البؤر الاستيطانية، بل الترابط فيما يسمى الأحزمة الاستيطانية، عبر تجميع عدد من المستوطنات لتكون وحدة جغرافية وأمنية واحدة".
وشدد منصور على أن المستوطنة الجديدة تهدف إلى خلق حياة متواصلة ما بين المستوطنين، وانعدام أي تواصل ما بين المدن والبلدات الفلسطينية، وهو ما يشكل خطراً كبيراً على مستقبل الوحدة الجغرافية للمناطق المحتلة، والحديث عن الدولة الفلسطينية، وحتى عن ترابط ما بين المدن والقرى الفلسطينية.