17.86°القدس
17.56°رام الله
17.21°الخليل
24.84°غزة
17.86° القدس
رام الله17.56°
الخليل17.21°
غزة24.84°
الإثنين 07 أكتوبر 2024
5جنيه إسترليني
5.38دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.19يورو
3.81دولار أمريكي
جنيه إسترليني5
دينار أردني5.38
جنيه مصري0.08
يورو4.19
دولار أمريكي3.81

من وحي تجربة الإسلاميين في المغرب

جميل أبو بكر
جميل أبو بكر
جميل أبو بكر

اضاف حزب العدالة والتنمية، ذو المرجعية الاسلامية والجذور الاخوانية في المغرب، نجاحا جديدا وانجازا آخر يمثل اضافة نوعية في سياق تطوير رؤى الاسلام السياسي وبرامجه وتجاربه في المنطقة العربية، والذي ما تزال جماعة الاخوان المسلمين، وما انبثق منها في صدارته.

تمكنت الحركة الاسلامية في المغرب (الاخوان المسلمون) في وقت مبكر نسبيا من بلورة رؤية ناضجة للواقع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والثقافي، ولمراحل المسيرة التاريخية له مبنية على تحليل موضوعي، وتقدير منطقي، واستيعاب متقدم لتجارب الاسلاميين في المنطقة، وهو ما كان يعكس ارهاصات التجربة القائمة التي ظهرت من خلال طروحات الاخوة المغاربة في لقاءات مع قادة فكريين وسياسيين منهم.

وقد اطلع بعض الاخوة في قيادة حزب جبهة العمل الاسلامي على تفاصيل التجربة هناك، وخاصة فكرة فصل الدعوي عن السياسي فكانت فصلا تخصصيا احترافيا، وعبروا في وقت سابق بسنين للحظة التاريخية الراهنة عن قناعتهم بسلامة السياسات وضرورتها، ولكن الحركة الاسلامية في الاردن لم تتوقف طويلا عند هذه التجربة.

وللتاريخ فإن اوليات هذه الرؤية وجوهر الفكرة كان حاضرا في ما طرحه الرواد في الجماعة في الاردن في مسوغات انشاء حزب جبهة العمل الاسلامي واهدافه وآمال تطوره من منظور تخصصي، يحمل الحزب عبء العمل السياسي دون التطرق للفصل، ولكن هذا المنظور الذي استمر طرحه بنعومة او على استحياء احيانا، ولسنوات عديدة، في اروقة الحركة الاسلامية لم يجد سبيله للحوار الجاد، ومن ثم للتطبيق العملي، حيث الاختلاف الشديد على فكرة انشاء الحزب اصلا داخل الحركة.

هذا الاختلاف الذي اكتنفه الانفعال والشك في سلامة الاهداف والنوايا احيانا كما في عدة رؤى ومشاريع او قرارات او مبادرات اخرى، وحرم الحركة من التطور او معالجة ازماتها في عدة محطات حساسة، وقد ثبتت صحتها، ومن ثم الاقتناع بها لاحقا، ولكن بعد فوات الاوان!

يكتسب هذا التقدم قيمة اضافية في كنف الازمات الناشبة في المنطقة، وبعض الانتصارات التي حققتها الثورة المضادة، وتراجع قوى الربيع العربي وفي مقدمتها الاسلام السياسي، وهو تقدم كمي ونوعي في آن.

كمي؛ للزيادة في حجم القاعدة الشعبية، وعدد المصوتين للحزب.

ونوعي؛ لأنه حقق نجاحا واقعيا في عدة مجالات اقتصادية واجتماعية وسياسية، مثل خفض نسية البطالة وزيادة نسبة النمو، والتوفير في الموازنة، والاستقرار السياسي، والالتزام بالتداول السلمي للسلطة، واحترام الديمقراطية ونتائج صناديق الاقتراع، وتشكيل تحالفات وائتلافات سياسية في الحكومات التي قادها الحزب.

بين الدعوي والسياسي

في تاريخ الشعوب والدعوات السماوية ميزت كل منها قضايا وممارسات مثلت مرتكز الاهتمام ومفتاح الدعوة او الهلاك، كما تشكلت حولها القناعات والمصالح، واستحكمت حولها التحالفات الاجتماعية، فضلا عن الدعوة للتوحيد كالدعوة للوفاء في الكيل والميزان، وتوعد المطففين، او ترك الفواحش، او اقامة العدل ومغادرة الظلم ..الخ.

وكما كانت مثل هذه الظواهر او الاخلاقيات تجسد نقطة الاستفزاز والشد للمدعوين للخروج من تيه الغفلة وقاع التردي الى يقظة التلقي ونور الاستجابة، كانت سببا مهما في هلاك تلك الامم او معاقبتها عند الصد والتمرد. اما العرب اهل الفصاحة والبيان المتفرد ومحل الاعتزاز والتفاخر بينهم، واهل الشرك الساذج، فكان التحدي في صميم معتقداتهم وتميزهم وحساسياتهم النفسية والاجتماعية والفكرية البسيطة؛ حيث أوقفهم خطاب القرآن المعجز بيانا، والكاشف حقيقة الشرك على رؤوس اقدامهم، مثيرا التساؤلات اللامتناهية في نفوسهم حول معتقداتهم وواقعهم الاجتماعي والثقافي طوال سنين الدعوة والتبليغ والمواجهة.

هناك من الدعاة والعلماء والوعاظ واهل الرأي من الاسلاميين من ما يزال يعتقد ان البيان والدعوة والامر بالمعروف والنهي عن المنكر (الوعظي) هو الاساس في التغيير والاصلاح كما كان في الدعوة الاولى، دون تعمق كاف في النظر الى واقع الامة اليوم وتعقيداته، وما طرأ عليه من تغيير نفسي وفكري وسياسي واجتماعي، وتأثره بالواقع العالمي في المجالات المتنوعة والابعاد المختلفة التي يستوجب التطوير في اساليب ادارة الدعوة ومقتضيات المسؤولية الوطنية، وحاجات الدولة والمجتمع لخطط النهوض ومشاريعه العملية اللازمة او المناسبة، دون تقليل من اهمية البيان والوعظ والتربية في كل المراحل.

ان تجربة حزب العدالة والتنمية في تركيا ومن قبله حزب الرفاه، وتجربة الحركة الاسلامية في المغرب وهي الألصق او الاقرب للحركة الاسلامية في الاردن، تؤكد ضرورة تطوير رؤى الحركة، وتحقيق الفصل في التخصص، والتوجه الصلب نحو صياغة البرامج العملية لحل المشكلات الاساسية على مستوى الوطن، وحشد كل ما يلزم او يستطاع من ارادة وخبرة وخدمات ومال؛ إذ إن ذلك يحتاج الى جهود كبيرة ومعاناة مضنية، لا يقدر عليها إلا القليل، فهذا ليس مجرد خطبة او موعظة او فتوى يتقنها كثيرون على النقيض من الخطط والبرامج والمشاريع التفصيلية العملية.

وبغير هذا الجهد والانجاز لن تحقق الحركة الاسلامية او القوى الوطنية الاخرى اغلب اهدافها واهم غاياتها في النهوض بالوطن والامة او في نشر افكارها وبسط تصوراتها ورؤاها، واستقطاب مزيد من التأييد الشعبي والدعم لها.

فالناس اكثر انحيازا لحاجاتهم اليومية الملحة، ولمصالحهم المعيشية، واكثر انشغالا بمعاناتهم وتدبير شؤون حياتهم العديدة والمعقدة في ظل صعوبات وازمات مستحكمة.

وفضلا عن واجب العمل الجاد المنهجي، أسهاما في الخروج من مختلف الازمات على مساحة الوطن وكل قطاعات المجتمع، وهذا يشكل نقطة الشد، ومحور الاهتمام في المجتمع؛ وبالتالي مفتاح الخطاب والتأثير والتغيير، وكسب ثقة المجتمع وإسناده لا بل حمايته.

وبذلك يحصل التكامل بين العمل الدعوي القيمي والارشادي التربوي، والعمل السياسي الواقعي المبرمج، والمبدع المتخصص.

وربما للاسباب التالية يضعف تأثير الخطاب الدعوي:

1-اعتقاد الغالبية العظمى انهم مسلمون جيدون.

2-الضعف الكبير في اللغة والبيان.

3-تعدد الأفهام للدين واختلاطها بأعراف وتقاليد عديدة.

4-التأثر بفلسفة وافكار اخرى بتأثير الحضارة الحديثة وانعكاس ذلك على التدين وفقهه.

5-وجود افكار اخرى ودعوات لها ناشطة ومؤثرة لا تتفق مع مبادئ الاسلام واصوله او تختلف معها في جوانب عديدة.

6-محاصرة او التضييق على العمل الاسلامي المعتدل.

7-ضعف تمثل اخلاق الاسلام ومبادئه في سلوك بعض الدعاة او المتصدرين من الاسلاميين.

8-غياب برامج الاصلاح العملية الواقعية، وانعدام إمكانية التنفيذ من قبل الحركة الاسلامية. كل ذلك وربما وغيره ميز الجيل الاول بالتغير الكبير والانتقال السريع والنوعي الهائل ايجابيا، فمع كل آية يرتقي واثبا على خلاف الجيل المعاصر الذي يحتاج الى جهد كبير ووقت طويل.

كثير من الدعاة او المنفعلين بالعمل الاسلامي يحسبون الامر بالمعروف والنهي عن المنكر فيما يمس السلوك الاخلاقي للفرد او المجتمع فقط. ولكن أليس تضييق مساحات الفقر، وتخفيض نسب البطالة، ورفع معدلات النمو، وتوسيع نطاق التنمية الشاملة، والارتقاء بالتأمينات الصحية والاجتماعية، وإنزال نسب الأمية والمديونية، وأمثال هذا أمرا بالمعروف ونهيا عن المنكر؟ لا بد من قراءة الواقع قراءة معاصرة وحداثية، ولكن اصيلة.

وحتى يتحقق النجاح وبلوغ درجة الاحسان في انجازات الحركة الاسلامية، ولا سيما في صياغة البرامج العملية المتخصصة، وتكوين المحترفين الاكفياء، لا بد من اعتماد معايير فرز واختيار وثقافة في صفوفها تقدم اصحاب الاستعدادات والاهلية والتجربة والخبرة في المجال المطلوب. وإذا ما استمر تصعيد الخطباء او الدعاة او الوعاظ على فضلهم وتأثيرهم في ميادين اهتمامهم وحضورهم، او من يتقنون عرض انفسهم في ظل غياب السياسات والوسائل التي توفر الفرص بعدالة لكل صاحب كفاءة للتعريف والتعرف عن قرب وبفعالية، فسيبقى زحف التطور والتحسين دون الحد الادنى الذي يبقي الحركة في مستوى معقول من الحيوية والفعالية والتأثير.

ويحسن التذكير هنا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «ان الله يحب اذا عمل احدكم عملا ان يتقنه».

وقول علي رضي الله عنه: قيمة كل امرئ ما يحسن.

والاتقان والاحسان لا يكتسبان إلا بعلم وقابليات ذاتية وتدريب.