19.44°القدس
19.28°رام الله
18.3°الخليل
24.47°غزة
19.44° القدس
رام الله19.28°
الخليل18.3°
غزة24.47°
الإثنين 07 أكتوبر 2024
5جنيه إسترليني
5.38دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.19يورو
3.81دولار أمريكي
جنيه إسترليني5
دينار أردني5.38
جنيه مصري0.08
يورو4.19
دولار أمريكي3.81

الاقتصاد الإسلامي في مفترق طرق

محمد رمضان الأغا
محمد رمضان الأغا
محمد رمضان الأغا

افتتاح كليات وأقسام للاقتصاد الإسلامي في دول مختلفة هو إنجاز للنظرية الاقتصادية الإسلامية التي بدأت تدريجيا في شق طريقها بين نظريات اقتصادية عالمية. ولعل الهدف الأكبر هو استجلاب المعرفة في هذا المجال والعمل على تراكمها وتجميعها ليس في الكتب والخزانات المعرفية والحواسيب وحسب بل أيضا في عقول العلماء والباحثين والطلاب لصناعة المعرفة ومن ثم صناعة التجربة وتقييمها لجعل كل ذلك ثقافة وقولا وعملا وفعلا وتنفيذا, فالعالم اليوم يكاد يكون محكوما باقتصاده, وما الصراع العنيف الخفي والعلني بين أميركا والصين اليوم إلا صراع اقتصادي تحاول الصين بكل ما أوتيت من جهد واقتصاد ومال وعمل وعلم وتخطيط أن تسابق الزمن في حرب اقتصادية شرسة. وتحاول أميركا بكل ما أوتيت من قوة وقف النمو الاقتصادي الصيني غير الطبيعي الذي أضحى حوتًا اقتصاديا يلتهم اقتصادات عالمية صغيرة أو ضعيفة أو ناشئة دون هوادة أو رحمة.

لقد قامت دعوة سيدنا يوسف على الاقتصاد الزراعي والصناعي علما وعملا وتجربة وتخطيطا ولأنتج احتياطيا استراتيجيا من الغذاء لسبع سنوات عجاف أطعم فيهن مصر ومحيطها من الدول في ذلك الوقت.

صحيح أنه نبي وله دعوته الربانية لكن كان تفسيره لرؤيا الملك اقتصاديا بحتا وتخطيطيا عميقا حتى أنه أضاف معلومتين لم تكونا في رؤيا الملك الأولى (فذروه في سنبله)؛ والثانية (ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون).

والأولى هي تقنية تخزين الفائض لتكوين الاحتياطي الاستراتيجي الذي يمنح صاحبه قوة اقتصادية قد تفوق القوتين السياسية والعسكرية بين الأمم. والثانية بشرى الخير بعد السبع العجاف بل هي أيضا بشرى الدخول على الاقتصاد الزراعي والصناعي؛ فالعصير صناعة الهدف منها زيادة الاحتياطي الاستراتيجي أيضا وتركيزه بل توفير المنتج في السوق طوال العام وبأسعار مقبولة وبجودة أيضا مقبولة وربما عالية أيضا. أقصد هنا أننا بحاجة إلى تراكمية العلم لبلورة تراكمية المعرفة في الاقتصاد الإسلامي ومن ثم تقييم التجارب التي هي مصدر رئيس من مصادر المعرفة الإنسانية. ولماذا لا يكون لدينا مدرسة الاقتصاد الإسلامي يحج إليها طلاب العلم والباحثون ورجال الأعمال والصناعة والزراعة والتجارة والمال وغير ذلك. أعتقد أننا بحاجة إلى هكذا مدرسة تجمع بين العلم والعمل والتجربة وما نحن عن مؤتمر الأوقاف الأخير في السعودية ببعيدين.

كم هو جميل ورائع هذا المسمى أو العنوان أو المصطلح إذ لا مشاحة في المصطلح كما يقال. لكن الأهم الذي نستنبطه هنا من هذا النقاش الوصفي والتشخيصي في آن معًا هو أن هناك فجوة بين السوق أو سوق العمل وبين مواصفات الخريج المطلوب في الاقتصاد أو الاقتصاد الإسلامي. إن الجامعات تقوم كل فترة بإعادة النظر في خططها وخطط كلياتها وأقسامها الأكاديمية من خلال تشخيص جديد أو تشريح جديد لسوق العمل ومدى حاجته لهذا التخصص أو ذاك أو تشبعه بهذا التخصص أو ذاك؛ فتقوم هذه المؤسسات بعمليات مسح ميدانية في السوق وبين الخريجين والطلاب الدارسين والطلاب المتوقع قدومهم خلال سنوات وثقافة المجتمع وثقافة المؤسسات المشغلة وغير ذلك كالمؤسسات الحكومية وغير الحكومية والقطاع الخاص والأوقاف.. إلخ.

ومن ثم تقوم هذه المؤسسة بدراسة ذلك كله والخروج بمخرجات واستنتاجات حول طبيعة التغييرات أو التعديلات المقترحة في الخطط للوصول إلى المواصفات المطلوبة في الخريج خلال السنوات القادمة.

إن جيل الخريجين الأوائل هو جيل الرواد الذين يصنعون الحياة ويصنعون المستقبل وليس فقط مطلوبا أن يكون الخريج مجهزا أو جاهزا لتستقبله الوظيفة الحكومية الروتينية أو وظيفة القطاع الخاص الروتينية أيضا.

المطلوب في هكذا أقسام ودراسات تعميق الجانب الإداري والقيادي والابتكاري والإبداعي مع القانوني والاجتماعي والسياسي. فالاقتصاد اليوم لم يعد علما ضيقا أو بحتا بل هو من العلوم متعددة المجالات ومتداخلة المجالات أيضا.

إن هؤلاء الرواد هم الذين سوف يعطون الدفعة الكبرى لهذا العلم إذا ما تم تسليحهم بعلوم الإدارة والقيادة والمستقبليات والابتكارات. إن التجديد في وسائل وأدوات التفكير الاقتصادي مطلوب؛ والمطلوب أكثر هو التجديد في طريقة تفكيرنا نحن كأمة عربية وإسلامية تعتز بتاريخها وحضارتها لكن لديها مشكلة في حاضرها. هذا التجديد مطلوب في المبادرات المؤسساتية والفردية ودعمهما قدر الإمكان.

إن لدينا اليوم ما ليس لدى الآخرين من أموال وقف لم نحسن إدارتها أو استثمارها وغير ذلك من الأموال التي يجب أن تشكل قوة دافعة لمثل هذه مشاريع كبرى يقودها علماء وأكاديميون ورجال أعمال بل وسياسيون واقتصاديون وقادة مجتمعيون وغير ذلك.

لقد مضى على الحديث حول الاقتصاد الإسلامي حوالي نصف قرن وما زال هذا العلم يحبو ولا شك أن هناك معوقات موضوعية وغيرها تعيق ذلك؛ لكن هذا لا يعني أن نستسلم بل يجب علينا أن نقتحم. إن الاقتصادات الأخرى رغم أنها تهيمن على العالم إلا أنها تعاني وتترنح يمنة ويسرة. وهي في حاجة إلى من يأخذ بيدها لينقذ الإنسانية من شرورها إلى الصراط المستقيم. ولعل من عجائب الأمور أن كلمة (المستقيم) التي نتلوها عشرات المرات يوميًا مشتقة من (القيم) والاقتصاد الإسلامي بغض النظر عن المصطلح إنما هو (اقتصاد قيمي) لأنه مشتق من (الدين القيم). صحيح أن الطريق طويل ومعقد وصعب لكن الرجال الذين يمتلكون الإرادة سواء من العلماء أو رجال الأعمال أو الرواد أو الأكاديميين وغيرهم لا شك لديهم القدرة على الاستمرار وإحراز النجاح. إن حجم الصناعة المالية الإسلامية اليوم في العالم حجم معقول ضمن التعقيدات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية المحيطة وهذه نقطة قوة إضافة إلى نقاط قوة أخرى يمتلكها قادة هذه الصناعة في أماكن مختلفة من العالم. وختاما فما زلت أؤكد ضرورة إنشاء مدرسة الاقتصاد الإسلامي أو معهد أو غير ذلك على مستوى كوني يحج إليها من طلبها. فهناك على سبيل المثال باحثون أوروبيون يتخصصون في الاقتصاد الإسلامي منذ سنوات وما زالوا.