حتى لحظة "الاستلام والتسليم" ما بينه وبين الرئيس الجديد المعين مكانه، كانت مشاعر الغضب تعتري رئيس بلدية قلقيلية عثمان داود، الذي أجبر على تقديم استقالته وتلقائيا حل المجلس البلدي.
من شارك في ذلك اللقاء تمكن بكل سهولة من ملاحظة حالة داود، الذي قاد المجلس البلدي في هذه المدينة المحاصرة بالجدار الفاصل من جهات ثلاث، على مدار خمس سنوات، كانت صعبة ومعقدة.
فقد حاول بعض الحضور تلطيف الأجواء أكثر من مرة، حتى أنهم طلبوا من الرئيس المعين طارق إعمير (وهو موظف كبير في الحكم المحلي) المبادرة والسلام على داود بعد التوقيع على التبادل وتقبيله، فكانت ردة فعل الرئيس المقال باردة، وفورا خاطب الموجودين بلهجة عامية "بس لا تطولوا علينا بالانتخابات".
وفد وزارة الحكم المحلي ضم الوكيل المساعد عبد الكريم سدر، ومدير عام التشكيلات سمير دوابشة، ومدير عام الرقابة والتوجيه رائد شرباتي، ومدير عام تنمية الموارد البشرية صفوان الحلبي، ومدير عام مديرية الحكم المحلي في قلقيلية رائد مقبل، وموظفي المديرية.
وتكونت لجنة بلدية قلقيلية الجديدة من المدير العام في وزارة الحكم المحلي طارق اعمير رئيسا، وعضوية كل من مديرة مديرية التربية والتعليم نائلة فحماوي ومديرة مديرية العمل أسماء حنون، ومدير عام مديرية الداخلية منذر اشتيه، ومدير مديرية الثقافة أنور ريان، ومدير مديرية ضريبة القيمة المضافة عبد الكريم ابداح، ومدير عام مديرية التنمية الاجتماعية ياسر مراعبة.
"فلسطين الآن" تحدثت إلى داود عن موقفه مما جرى، حيث كانت ردوده مختصرة.
وتساءل "متى الانتخابات؟ الحكومة أعلنت في أيلول الماضي عن نيتها إجراء الانتخابات بعد أربعة أشهر.. أي في شهر كانون الثاني - يناير القادم، فما الداعي لإقالتي وتعيين مجلس جديد خلال هذه المدة القصيرة!!".
وتابع "مضى شهر وبقي ثلاثة فقط، هل سيستطيع المجلس المعين أن يحرز أي تقدم خلال هذه المدة القصيرة؟ طبعا لا. بالتالي فإقالتي وحل المجلس محط استغراب كبير مني ومن زملائي في المجلس ومن المواطنين".
وأوضح داوود أنهم كانوا بانتظار هذه اللحظة، لكن أن تتم بطريقة ديمقراطية بواسطة الانتخابات وليس التعيين، وقال: "نحن نحترم مجلس الوزراء ونسعى أن نكون يدا واحدة، وأوجه رسالتي باسمي وباسم المجلس البلدي وأهالي قلقيلية، أن الأصل أن تجري انتخابات، وأن يختار المواطنون ممثليهم. اجتهدنا أن نقود البلدية برؤية أننا قادة ولسنا موظفين".
وختم حديثه بسؤال أيضا قائلا "هل هذا يعني أن الحكومة تُبيت النية لتأجيل الانتخابات إلى أجل غير مسمى؟".
دُبر بليل
إلى هنا، ولم يدل الرجل بأي تصريح آخر. لكن المعلومات التي حصل عليها مراسل "فلسطين الآن"، أكدت أن الأمر لم يكن مقتصرا على قلقيلية، فالضغوطات التي مارستها الحكومة ووزارة الحكم المحلي، وحتى مكتب الرئيس من خلال بعض المحافظين، وضمنيا الأجهزة الأمنية، وقبل كل هؤلاء حركة فتح.. دفعت برؤساء بلديات وازنة للاستقالة، ومن لم يستقل بإرادته أُقيل بالقوة.
وكاد الأمر يصل في بعض الأحيان إلى تشويه صورة من رفض الاستقالة، كإظهاره بالضعيف، والعاجز عن تحقيق أي إنجاز على الأرض، بل وصل الحال لحد اتهام بعض المجالس بالفساد وسوء الإدارة، من أجل تشويه صورة رئيس وأعضاء المجالس التي أدركت وعلمت بما يحاك لها بليل، فحفظوا ماء وجوههم واستقالوا.. وفورا قبل مجلس الوزراء تلك الاستقالات.
المفاجأة أن الحكم المحلي أعلنت فورا عن أسماء أعضاء اللجان الجديدة، ما يعني أن الأمر مدروس بعناية، وليس وليد اللحظة، وأنها بالتعاون مع السلطة وأقاليم فتح شكلت تلك اللجان وسلمتها مقاليد الحكم دون عناء.
موقف الحكومة
وكانت الحكومة في جلستها يوم الثلاثاء 1-11-2016 قد قررت حلّ 8 مجالس بلدية بالضفة المحتلة، وتشكيل لجان تنوب عنها إلى حين إجراء الانتخابات المحلية.
وأوضح بيان صادر عن مجلس الوزراء أنه تم حل كل من المجالس البلدية لمدن: طولكرم، وجنين، وقلقيلية، وقروي ياصيد، وقروي تياسير، ومجلس بلدي يطا، ومجلس بلدي إذنا، ومجلس بلدي صوريف.
وأشار إلى أنها خطوة تهدف إلى رفع مستوى الخدمات المقدمة للمواطنين، وتطوير أداء المجالس المحلية، وزيادة الإيرادات، وتقليل النفقات.
مدير عام التشكيلات في الحكم المحلي سمير دوابشة، قال لـ"فلسطين الآن" -عبر الهاتف- إن "هذه هي الدفعة الأولى التي شملها قرار مجلس الوزراء"، مؤكدا أنه "سيكون هناك تقييم لجميع الهيئات المحلية نتيجة تعثر العملية الانتخابية والعملية الديموقراطية، كون الوزارة تعتبر أن المدة القانونية للهيئات المحلية قد انتهت وهي أربع سنوات".
وأضاف "كان هناك قرار بتمديد الفترة للهيئات المحلية كفترة استكمالية، ومنح وزير الحكم المحلي صلاحية بتقييم هذه البلديات وتصحيح أمورها الإدارية".
وحول أسباب حل المجالس، أوضح دوابشة أن "بعضها نتيجة مطالبات مجتمعية تتمثل بالفصائل والعائلات والأهالي وغيرها، ومنها ما جاء نتيجة ما توصلت إليه الوزارة من بعد تقييمها لتلك المجالس والهيئات، ومنها ما كان بسبب استقالة أعضاء وعدم رغبتهم بالاستمرار في العمل، كما جرى في طولكرم وجنين، حيث استقال رئيسا البلدية".
لا نحبذ التعيين
ومع هذاـ فدوابشة يؤكد أن الوزارة لا تحبذ اتباع سياسة التعيين، وهي تفضل أن تكون إدارة البلديات من المجتمع المحلي نفسه، وليست مفروضة بتعيين موظفين من السلطة أو موظفين حكوميين.."وهذا هو الوضع الطبيعي والقانوني التي تطمح وزارة الحكم المحلي بالوصول له"، على حد قوله.
وبيّن أن القرار يأتي تطبيقا لقانون الهيئات المحلية رقم (١) لعام ١٩٩٧، الذي يجيز لوزير الحكم المحلي حل أي مجلس هيئة محلية إذا انطبق أحد الشرطين الأساسين المتمثلين بانتهاء الولاية القانونية – الدورة الانتخابية – أو كان هناك تعثر وتجاوز للقانون.
وأضاف أنه "بناء على هذا القانون وكخطوة أولى فقد تم حل ستة مجالس بلدية ومجلسين قروين، وهو ما صادق عليه مجلس الوزراء"، مجددا التاكيد أن "القرار ليس عشوائيًا، بل له أهداف تتضمن تحسين الخدمات وجودتها وتوسيع قاعدتها، تطوير الهيئات المحلية، وتحقيق الرافعة الاقتصادية".
وحول المخاوف من تأجيل الانتخابات، أكد دوابشة أن الانتخابات قائمة وستعقد في موعدها المقرر، لكن هناك مساع ٍلتغيير نظام الانتخابات وعمل نظام جديد بقوائم مفتوحة، حيث سيتم عقد عدد من اللقاءات في كل من نابلس ورام الله والخليل للتباحث في امكانية تغيير النظام القائم في فلسطين منذ سنوات.
يطا ترفض
ونقل عن رئيس مجلس بلدية يطا موسى مخامرة قوله إن "القرار مرفوض جملة وتفصيلا وهو ينافي الإرادة الشعبية، "القرار جائر، وهو يناقض السعي لتكريس الديمقراطية، بل ينتزع الحق بالانتخاب من الشعب"، مؤكدا أن المجلس يسعى لتقديم التماس يرفض القرار وفق ما يسمح به القانون.
وتابع "من يملك الحق بتحديد المجالس المحلية هو صندوق الاقتراع وإرادة الناخبين، خاصة في منطقة يطا التي تعتبر ثالث أكبر التجمعات السكنية بتعداد ١٢٠ ألف نسمة على أكبر المخططات الهيكلية التي تتجاوز ٣٢ ألف كيلومتر".
وأوضح مخامرة أن القرار الصادر هو ظلم يقع على حساب الخطط التنموية والاستراتيجية التي تقوم بتنفيذها البلديات، "عدم القدرة على اجراء الانتخابات هو ذنب الحكومة وليس ذنبنا فقد تم انتخابنا من المواطنين، نحن شرعيين وديمقراطيين".
"تحت إمرة الوزير"
فيما أوضح إياد جلاد رئيس بلدية طولكرم سابقا أنه قدّم استقالته في ١١ تشرين أول فور إعلان الحكومة الفلسطينية إلغائها للانتخابات وما تبع ذلك من إعلان أن المجالس البلدية الحالية هي مجالس تيسير أعمال.
"لا أقبل أن أنتقل من رئيس بلدي منتخب من الشعب، إلى ميسر أعمال تحت أمرة الوزير.. عملت منتخبا من الشعب ثماني سنوات وهي كافية لخدمة مدينتي، والآن يجب أن يتاح المجال للشباب ولكن بالانتخاب وليس التعيين".
وبيّن أنه برغم القرار الصادر بموجب القوانين وعلى ضوء تأجيل الانتخابات، إلا أنه كان الأولى للحكومة أن تسعى لإتمام الانتخابات وإنجاحها حيث لا يوجد أي مبرر لتأجيلها، "لا يجوز أن تعمل المجالس المحلية تعمل تحت ما يسمى تيسير الأعمال التي قد تنحاز لأهواء أشخاص ومصالح خاصة.. المجالس البلدية يجب أن تستمد شرعيتها من الانتخابات وإرادة الشعب وليس من الوزير".