أقترح أننا كشعب نمثّل نموذجا فريدا يجب أن تجرى عليه دراسات عالمية وتحليلات عضوية وجينية لمعرفة خصائص سلالتنا المتفردة في الصبر والتكيف وإدارة الخد الآخر وغضّ كل الحواس عن كل إساءة وتقصير بعد أن أثبتنا أننا نصلح كعينات تجارب لكل تفتقات السياسة في كل مجالاتها! بل إنّ خصائصنا الوراثية قد تصلح لإنتاج مطاعيم لمواطنين مثاليين ترغب بهم كل الدول لا يرون ولا يسمعون ولا يتكلمون ولا يئنّون، قابلين للطرق والسحب والتشكيل، يسعدنا كل شيء، ونرضى بأيّ شيء، ولا نطالب بشيء! ولا يهمنا ما يحصل للبشر من أمثالنا وحولنا من تغيرات، فنحن في محيطنا راضون وفي شرنقتنا آمنون وفي متاهات حياتنا ضائعون وفي سواقي رزقنا دائرون، والتغيير يحصل فقط للآخرين ونحن في بلدنا مختلفون ومتفردون! وحالتنا فريدة وأيّ فرادة وتفرد، إنّها فريدة وإننا فريدون بحق! حتى إنّ صبرنا وتكيّفنا صار مزحة على كل لسان وصار يقهقه على حالنا المضحك المبكي كل من يدري ولا يدري، وقالوا فينا: إذا خلص الشامبو زادوه مي. إذا خلص المكنتوش حطوا في العلبة لوازم خياطة. إذا خلص النيدو حطوا في العلبة فحم. اذا خلص السريلاك حطوا في العلبه بهارات أو حنا. إذا خلص الجبنة الكاسات غسلوها وخلوها كأس للشرب. وإذا تقطّعت البلوزة خلوها فوطة مسح غبرة. وإذا طلعوا أغراضهم من أكياس السوبر ماركت خلوها أكياس زبالة. ولكل شيء بديل وحيلة للتدبير، حتى الإصلاح يمكن مسخه إلى حالة لا ترضي عدوا ولا صديقا ما دام الشعب قد اعتاد على الرضى و"تمشاية" الحال! وإذا تقطّعت البلوزة خلوها فوطة مسح غبرة . فما الفرق بين إرادة الإصلاح واللاإصلاح؟! إنّها تؤدي إلى نفس النتيجة والتحركات في كافة الإتجاهات صفرية النتائج، بل تنتقل إلى درجة السالب ونعود إلى ما قبل البداية و(كأنّك يا أبو زيد ما غزيت)، وأنّ ما مضى بروفة لمسرحية لم يكتب لها أن تُمثَّل على أرض الواقع! ولكن أحلام اليقظة بالإصلاح التي نعيشها لا تنفك تنتهي بكابوس يكلّفنا بحسب التقديرات كل ستة شهور 43 مليون دينار ككلفة تراكمية تقاعدية ما بين حكومة إصلاحية سابقة وحكومة لاحقة، والكل يعد بإنجاز ما لم ينجزه الأولون! 43 مليون فوق العجز الملياري يعني خازوق إصلاحي من النخب الأول! الإصلاح يحدث عند الآخرين فقط، وأقترح أن نخرج جميعا من حالة الحلم أو الغيبوبة التي امتدت لأكثر من سنة على أمل أن يكون الغد أفضل وأكثر حرية وكرامة ونزاهة وشفافية، فاليوم حمل براءة للفاسدين ونسيانا لكل ما فات وجاء الرجل العتيد ليعيد التاريخ القديم، وذهبت هبة نسيان ويوم ويومين وجمعة وشهر وشهرين والحال من سيء لأسوأ، ولا أحد يأخذ الإصلاح على محمل الجد! فماذا يحتاج الأمر حتى ننتقل من مرحلة الهزل إلى مرحلة الجد؟! وهل تنفع الاستمرارية بوسائل السنة الماضية التي أفضت إلى نتائج اليوم لتحقيق الإصلاح في الأردن؟!
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.