بعثت أزمتا الغاز والكهرباء الخانقتين اللتين يمر بهما قطاع غزة المحاصر الحياة مجددًا في أفران الطين التي باتت خلال السنوات العشر الماضية جزءًا من التراث.
ولجأ الغزيون إلى هذه الأفران الطينية العريقة لإنضاج وتجهيز الخبر؛ مع استمرار انقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة، ونقص إمدادات الغاز وارتفاع الطلب عليه وزيادة استهلاكه منذ بداية فصل الشتاء.
ففي بعض المناطق على امتداد محافظات القطاع الخمس، أعادت الأفران الشعبية القديمة فتح أبوابها أمام الناس، ولجأ أصحابها إلى وضع جداول وحجوزات مسبقة لتنظيم الضغط عليهم، كما لجأت بعض الأسر التي تمتلك أفرانًا طينية إلى إعادة استخدامها.
ويوجد في قطاع غزة أكثر من 120 مخبزٍ إلكتروني حديث، لكن سعر ربطة الخبز يبلغ 7 شواقل تقريبًا، وهو ثمنٌ يصعب على كثير من الأسر توفيره بشكل يومي أو شبه اليومي في ظل ارتفاع نسبة الفقر التي وصلت حسب آخر إحصائية رسمية إلى أكثر من 65%، واعتماد أكثر من 80% من السكان على المساعدات الخارجية لتأمين الحد الأدنى من متطلبات حياتهم اليومية.
حل فعّال
المواطن رشيد حسان (52 عامًا) من سكان بلدة بيت لاهيا شمال قطاع غزة رأى أن إعادة استخدام هذه الأفران البدائية ضرورة لا بديل عنها في ظل انعدام الحلول.
وأضاف في حديث لمراسلنا "لا يوجد كهرباء، واسطوانة الغاز تحتاج أكثر من 20 يومٍ لملئها من عند الموزعين، لذلك نعود إلى الأدوات والوسائل البدائية فهي أفضل الحلول المتوفرة".
وتابع "أنا أعيل 7 أبناء، وأعمل يومًا وأقعد عشرة، ولا أستطيع توفير ثمن ربطة خبز يوميا لأبنائي، لذلك أعددت تجهيز هذا الفرن لتستخدمه زوجتي في إعداد الخبز".
ويحتاج حسان إلى جمع أكوام كبيرة من الحطب لإشعال نار الفرن وطهي الطعام، وهو أمرٌ ليس بالصعب مقارنة بصعوبة توفير الكهرباء والغاز.
وتقول زوجته "صباح كل يوم أشعل هذا الفرن وأبدأ بتجهيز وإنضاج الخبز لأبنائي، وبعد ذلك أقوم أيضًا بإشعال النار لطهي الطعام".
وتضيف "هذه طرق بدائية استخدمها آباؤنا وأجدادنا وها نحن نعود إليها لأنها حلول فعّالة في ظل هذه الأزمات".
معاناة المخيمات
حال عائلة حسان هو ذاته ينطبق على حال آلاف الأسر التي تسكن قطاع غزة، وتعاني من نفس الأزمات، لكن هذه الحلول المتاحة في منطقة واسعة نسبيًا يصعب جدًا تطبيقها في مناطق أخرى كمخيمات اللاجئين التي تعاني من اكتظاظ بشري وعمراني هائل.
ففي مخيم جباليا لللاجئين شمال قطاع غزة، الذي يعدّ أكثر الأماكن ازدحامًا واكتظاظا بالسكان مقارنة بمساحته على مستوى العالم، يصعب ويندر استخدام هذه الأفران؛ لما تسببه من دخان كثيف سيؤدّي بلا شك إلى الإضرار بالجيران المحيطين.
وللسبب السابق، لجأت بعض المخابز الإلكترونية لمساعدة المواطنين من خلال تخصيص وقت محدد من ساعات عملها لإنضاج خبز المواطنين الخاص بهم مقابل ثمن مادي محدود يرتبط بعدد كمية الخبز.
إضافة إلى ذلك، نظّمت بعض الأمّهات ساعات إعداد العجين وتجهيزه بما يتلاءم مع جدول الكهرباء المعمول به، وهو الأمر الذي قد يضطّرهن إلى السهر حتى ما بعد منتصف الليل.
وتقول الخمسينية أم وائل لمراسلنا "أخبز كل ثلاثة أيام مرة بحد أدنى 50 رغيف كبير، وأعمل على تجهيز العجين قبل موعد وصول التيار الكهربائي".
وتوضح "في اللحظة التي تصل بها الكهرباء يكون الخبز جاهزًا، وفورًا أشبك الطناجر الكهربائية وأبدأ بخبزه، وحسب شدّتها وقوّتها تكون سرعة الانتهاء من عملي".
وتشير أم وائل إلى أنها تتعمد تجهيز خبزها في الأيام التي تصلها الكهرباء فيها ليلًا، معلّلة ذلك "في الليل عندما تصلنا في موعدها المحدد هناك نسبة أمان أكبر بعدم قطعها لقلة الاستهلاك، وإن قطعت فإنها لا تقطع ساعات طويلة وتعود للوصل قبل انتهاء المدة المخصصة لنا".
وأبدت الحاجة الخمسينية سخطها وغضبها من المسؤولين عن إيصال الناس إلى هذه الحال التي قلبت حياتهم وأحالتهم ساعات ليلهم التي جعلها الله نومًا وسكنًا إلى ساعات عمل وكدّ وسهر.
ويحتاج قطاع غزة إلى قرابة 400 طن من الغاز يوميًا في فصل الشتاء، لكن الكمية التي توفرها قوات الاحتلال عبر معبر كرم أبو سالم لا تتجاوز الـ260 طن، كما أن أزمة الكهرباء حُلّت مؤخرًا بشكل جزئي بعد منحة قطرية لدعم وقود محطة توليد الكهرباء بغزة بما يساهم بإعادة جدول التيار الكهربائي إلى 8 ساعات وصل مقابل 8 ساعات قطع يوميًا، بعد معاناة خانقة استمرت قرابة شهر ونصف كانت تصل فيها إلى 4 ساعات مقابل أكثر من 12 ساعة قطع يوميًا.