في مخيمات اللجوء المنتشرة في قطاع غزة جدران تضم بشرا مع وقف التنفيذ، بيوت غلبها الفقر، وأرهقها الحصار، وزاد من معاناتها الانقسام، بيوت تضم ذوي الأسرى والشهداء والمصابين، بيوت جملت نفسها من الخارج بقوله تعالى "تحسبهم أغنياء من التعفف".
بين أزقة وحارات مخيم البريج للاجئين وسط قطاع غزة، وفي ظلال بيت مهترئ بني بعد هجرة عام 1948، وجرى له بعد الإصلاحات خلال التسعينيات من القرن الماضي، لا تزال مئات العوائل الغزية تسكن هذه البيوت، تطلب ستر الله، وتسعى على قوت عيالها.
أسير محرر قضى خلف سجون الاحتلال الإسرائيلي ما يزد عن 10 سنوات، خرج من السجن عام 1994، تسكن هذه العائلة التي قدمت لفلسطين سنوات كثيرة من حياتها داخل الأسر في بيت يذكرها بحق العودة، ويشعل فيهم أنين ولوعة الشوق إلى مدينة يافا التي هجروا منها عام 1948.
شردهم المطر فطردهم المؤجر
الأب والأم وابنتين وولدين عدد العائلة المكلومة التي شردهم الفقر من بيتهم المبني على مساحة 57 متر في أزقة مخيم البريج، حيث سقف وجدران المنزل تآكلت بشكل كبير، وأصبحوا في ظل المطر كمن يجلس في الشارع، منزل يسترهم من العين ولا يسترهم من برد ومطر الشتاء.
لجأ رب الأسرة ذو الواحد والخمسين عاما إلى استئجار منزل بمخيم النصيرات لقضاء فصل الشتاء الماضي داخله، كي يحمي أسرته من أمراض وهلاك قد تسببه لهم الأمطار، حيث يضطر لدفع مبلغ 600 شيقل شهريا ثمنا لإيجار المنزل.
حرص أبو أحمد على توفير إيجار المنزل خلال الثلاثة شهور الأولى من خلال الإستندانة أو العمل في بعض الأمور المتفرقة، غير أنه فشل في سداد إيجار الشقة لمدة ثلاث أشهر، وتراكم عليه مبلغ 1800 شيقل دين لصاحب الشقة، ما دفع صاحب الشقة لطردهم من شقته في شتاء العام الماضي بحجة تراكم الديون في ظل عدم وجود مصدر دخل واضح للأسرة.
اضطرت أسرة أبو أحمد للعودة إلى منزلهم المتهالك في مخيم البريج، حيث عاش أجواء الشتاء الماضي والشتاء الحالي في المنزل المهترء، وتحمل وعائلته ماء المطر المتساقط كمزراب لا ينقطع.
طلاب تركوا مدارسهم
وصلت ابنة أبو أحمد الكبرى إلى مرحلة الثانوية العامة، حيث لم توفق في استكمال دراستها، فاختارت تعلم مهنة الكوافير لدى صاحبة صالون كوافير بمخيم النصيرات، حيث وضعت قدمها على أول الطريق، بعدما تركت العلم، وضحت بتخصص "تعليم أساسي" الذي رغبت في دراسته من أجل مساعدة أهلها مستقبلا في توفير بعض مصروفات المنزل، لكن طموحها اصطدم بالعودة للسكن في مخيم البريج، وحال دون استكمال التدرب لدى الكوافيرة.
كما خرج الابن الأكبر من المدرسة بعدما تأخر معدله الدراسي، وحاول العمل في بعض المجالات لمساعدة والده في توفير احتياجات المنزل غير أنه لم يوفق في الحصول على عمل في ظل ازدياد معدلات البطالة في قطاع غزة بشكل يثير المخاوف، ويؤجج لمرحلة انفجار لا يحمد عقباها.
ولدى أبو أحمد بحسب ما ذكر في حديثه لـ"فلسطين الآن" ابنة صغيرة في الصف الرابع الابتدائي تعاني بانحراف السواد ومشكلة بالقرنيتين في عيناها، حيث أجرت عملية قبل عام على تكلفتهم الشخصية في مستشفى العيون بتكلفة 450 شيقل، واضطرت الأسرة إلى الاتصال بأحد معارفهم لايصالهم إلى منزلهم بعدما نفذت كامل نقودهم جراء العملية.
ولأبو أحمد ولد بالصف الثاني الإعدادي، معدله يتراوح حول الـ 70 % يأمل أن يواصل تعليمه، ويحقق ما ضحى به شقيقه وشقيقته في إكمال تعليمهم من أجل أسرتهم، في ظل ضبابية تخيم على مستقبل الطفل الذي يبدو أنه سيكرر ذات مصير أخوته.
واختتم أبو أحمد حديثه لـ"فلسطين الآن" بقوله :"يفرض علي الواقع السكن في منزلي بمخيم البريج المكون من غرفة ومطبخ وحمام، حيث تشققت جدرانه بشكل كبير جدا نظرا لتضرره من الحرب الأخيرة، وخراب برميل المياه، وتعرض الزينكو الذي يغطي سقف المنزل لثقوب كثيرة، وأشعر أني أعيش وعائلتي بالشارع".
ويأمل أبو أحمد أن تتغير حياته للأفضل في ظل واقع معيشي مرير، أصبح يطغي على جميع مناحي القطاع المحاصر، وفي ظل موت الأوعية الدموية في قدمه نتيجة اعتقاله لدى الاحتلال، وخطورة إجراء عملية جراحية قد تقعده لو فشلت كما حذره الأطباء، وفشل مشروع المشروبات الذي افتتحه سابقا، مع وجود بصيص أمل يلوح بالأفق، ويحمله أهل الخير.
للتواصل مع العائلة وتقديم المساعدة على جوال 0597741702