أشبه بطفرة عمرانية، تلك التي تمر بها مدن الضفة الغربية، وتحديدا في المدن الرئيسة كنابلس ورام الله والخليل.
إذ تشهد عمليات البناء بهدف الإسكان، وكذلك لغايات تجارية تسارعا غير معهود خلال العقد الأخير، ما يشير إلى أن الاستثمار في القطاع العقاري في فلسطين بات يشكل أهمية كبيرة في حركة الاقتصاد الفلسطيني.
فنابلس بمدينتها وبلداتها المجاورة تشهد نهضة عمرانية ملموسة. وخلال السنوات العشر الماضية شُيدت المئات من الاسكانات والبنايات، ومعها، فرضت شريحة المطورين العقاريين نفسها بقوة على الساحة الاقتصادية.
وفي وقت، وضع المستثمرون والعقاريون أعينهم على الضواحي، وابتاعوا هناك أراضي شاسعة، وعملوا على مدها بالخدمات الأساسية كشبكات الطرق والكهرباء والمياه.. اكتسبت تلك التجارة زخمها مع ازدياد الطلب على الشقق السكنية، في ظل هجرة داخلية نحو المدينة بشكل غير مسبوق في العقدين الأخيرين.
يقول رئيس جمعية المطورين العقاريين المهندس محمد الشنار إن "الحاجة ملحة لتنظيم القطاع العقاري وتطوير أدائه بما يخدم استمراريته ازدهاره.. فالمطور العقاري يعاني من قلة الأراضي المسموح باستثمارها خارج المدن، لأن معظمهم ضمن التصنيف (سي) حسب اتفاق أوسلو، ما يعني أنها تخضع أمنياً وإدارياً للاحتلال.. وفي داخل المدن فهناك اكتظاظ عمراني واضح، وغلاء في الأسعار وأحيانا ضعف في الجودة".
ويشدد الشنار -في حديث خاص بـ"فلسطين الآن"- على أن تنظيم القطاع العقاري من شأنه أن يؤمن للمواطنين وسيلة سهلة للحصول على مسكن أو محل تجاري أو مكتب للعمل، ويسهم في جذب الخبرات والمطورين إلى فلسطين.
ويعاني الشباب اليوم من أزمة في توفير السكن بسبب تكاليفه المرتفعة، بالإضافة إلى كون عدد الشقق المتاحة أقل بكثير من المطلوب، وهو تحد يضاف إلى سلسلة من التحديات التي تواجه العاملين في البناء والإسكان.
الكثافة والسكان
ويؤيد الشنار -الذي بدأ عمله في العقارات قبل ربع قرن تقريبا- ما يذكر عن ارتفاع أسعار الأراضي والعقارات، مرجعا السبب إلى ارتفاع وتزايد الكثافة السكانية في المحافظة، إضافة إلى عدم توسع المدينة على مدار خمسين عاما.
وعن ذلك، يعقب قائلا "الكثافة السكانية ومساحة الأرض المحدودة من العوامل المسببة لهذه المشكلة، وما يتبعه من مدخلات كثيرة تعيق توسع وتطور البناء يشكل يتناسب مع حاجات المواطنين واهتماماتهم.. فهذا الضغط الكبير أدى إلى عدم إيجاد شقق سكنية، خاصة للشباب المقبلين على الزواج أو للعائلات الكبيرة".
كما بيّن أن واقع بوابة التمويل محدود جدا، وذلك يعود لأسباب عدة.. فهناك الكثير من الأراضي غير المسجلة لدى دوائر التسجيل، كما أن مدة التسجيل طويلة جدا، وتكاليفه مرتفعة".
وأشار الشنار إلى أهمية وجود تخطيط استراتيجي كبير لحل هذه المشكلة من جميع أبعادها القانونية والتمويلية والتنظيمية، وإلى ايجاد مناطق سكنية سواء كانت لبناء الشقق بتكلفة ومساحات مناسبة أو بتملك الأراضي.
التوجه للضواحي
جولة في القرى والأحياء القريبة من نابلس، مثل "قوصين" و"صرة" و"تل" و"عصيرة الشمالية".. كلها مواقع باتت مستهدفة من كبار المقاولين والعقاريين، وتحولت أراضيها الجرداء لمبانٍ وأشكال نحتت من جديد، لتعلن ظاهرة لم نعتد عليها من قبل.. إنها الاسكانات.
وكما جاء في مقدمة التقرير، ففي مقابل الهجرة الداخلية نحو المدينة، بات أهلها ينحون للسكن في التجمعات العمرانية المقامة في الضواحي؛ هرباً من شبح الاكتظاظ والازدحام الذي بدأ يلاحقهم.
وهنا لعبت موجة الغلاء الهستيرية التي ضربت مدينة نابلس في السنوات الأخيرة وما زالت تتصاعد- دورا بالغا بالانتقال من المدينة إلى ريفها القريب، فبدلاً من شراء أرض قد يصل سعرها إلى مئات آلاف الدنانير في أحد أحياء المدينة، أصبح بالإمكان شراء أرض بسعر معقول، إذا ابتعدنا بضع كيلومترات باتجاه الأرياف.
ويكاد مطورون عقاريون يجمعون على أن "الكثافة السكانية المرتفعة، أدت إلى ازدحام مروري ضخم، وتسببت بمشاكل كثيرة، ما دفع كثيرين إلى التفكير في ترك المدينة والانتقال إلى أماكن أكثر هدوءاً وبعيداً عن هذه المشاكل، ووجدوا ضالتهم بالضواحي".
يقول أحد تجار الأراضي -الذي فضل عدم ذكر اسمه- "لو قارنا بين الإسكانات التي بنيت من فترة قصيرة في القرى المجاورة لنابلس سنجدها بمواصفات عالية وبأسعار أقل من المدينة، وبالتالي الطلب عليها في ازدياد، وكذلك الأسعار أقل نسبيا".
ويتابع "معظم النظريات والأنظمة الاقتصادية المتعارف عليها تفرض بالعادة اقتراب الأفراد إلى مناطق عملهم توفيراً للوقت والجهد، لكن الاكتظاظ والازدحام جعل مثل هذه الفرضية قابلة للاندثار في حضرة الهدوء والاستقرار المرجو، بعيداً عن صخب المدينة المزعج، ويبدو أن مثل هذا التوجه بات توجهاً معمماً".
معرض للتطوير العقاري
وبغية لفت الأنظار لهذه القطاع الهام، الذي يقدر حجم الاستثمار فيه بملايين الدولارات، وضعت جمعية المطورين العقاريين، لمساتها الأخيرة لإطلاق "معرض نابلس للتطوير العقاري"، الذي سينظم في نابلس في 13 و14 آذار الجاري، للتعرف على أحدث المشاريع، وكذلك لعقد صفقات بما يساعد على فتح أسواق جديدة.
يقول رئيس الغرفة التجارية في نابلس عمر هاشم -في حديث خاص بـ"فلسطين الآن"- إن نخبة من الشركات العقارية تشارك بالمعرض ويقدر هددها بنحو 50 شركة، ويعول عليه في دعم وإسناد الصناعات المحلية، والبحث في إيجاد استراتيجيات تمكن قطاع العقار من الإيفاء بحاجة المواطنين المتزايدة للسكن.
ويوضح هاشم أن "كل مشارك في المعرض سيتمكن من التعريف بنفسه وبإمكاناته وقدراته.. لأن غالبية أفراد المجتمع لا يعلمون الكثير من مؤسسات هذا القطاع، الأمر الذي من شأنه زيادة الوعي المجتمعي في كيفية اتخاذ القرار الصحيح فيما يتعلق بالسكن المناسب".
وعن هذه النقطة، يرى رئيس الغرفة التجارية ضرورة رفع قدرات المواطن وتحفيزه من كافة الجوانب، وبضمنها الرسمية والقانونية وتوعيته في كيفية توفير السكن المناسب، خاصة لذوي الدخل المحدود، والعمل من جانب كافة المؤسسات ذات العلاقة لمساندته من خلال عدة وسائل وآليات، من بينها توفير جهات داعمة وتسهيل إجراءات البناء فعلا وقولا من جانب السلطة ومؤسساتها المختصة.