لم تُستخدم أعواد الثقاب "الكبريت" هذه المرة في استخدامها الطبيعي للإشعال؛ وإنما كانت تكوينًا أساسيًا لأعمال فنية ومجسمات إبداعية، يبدعها المواطن الستيني حسن عدوان داخل غرفته الصغيرة المتواضعة، في مخيم الشابورة للاجئين وسط مدينة رفح جنوب قطاع غزة، يحاكي فيها معالم عالمية مشهورة.
المواطن الستيني الأعزب حسن عودة عدوان (68 عامًا)، الذي يهوى منذ صغره إعداد المجسمات الفنية بمختلف الأدوات والمكونات، آثر هذه المرة أن يستخدم أعواد الكبريت في تصميم مجسمات لبرج "إيفل" والأهرامات وبرج الجزيرة المصريين ومجسم آخر لبيت أفريقي، ينفذها لوحده داخل غرفته أعلى سطح منزله.
ثلاثون يومًا مكث عدوان في إنجاز المجسمات الثلاثة مستخدمًا أعواد الكبريت الصغيرة، يعمل فيها بكل جد واجتهاد وصبر كبير، ليوصل من خلالها رسائل شكر ومطالبات للنظر إلى معاناة أهل قطاع غزة في ظل الحصار الذي يعيشونه.
هواية قديمة
وخلال حديث "فلسطين الآن" مع عدوان أوضح أنه كان يهوى المكعبات المجسمة منذ دراسته في المرحلة الابتدائية، ويصمم في الصناعة بيوت من الورق، لافتًا أنه توقف فترة عن ممارسة هذه الهواية المبكرة حتى اعتقل داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي قرابة 7 سنوات ونصف على فترتين في أواخر الستينات ووسط السبعينات.
وأشار أنه عاود صناعة أعماله الفنية داخل سجون الاحتلال، قائلًا: "صرت أعمل مجسمات وبراويز وبيوت في السجن، وفي كثير من الأوقات كان الأسرى يطلبوا مني إعداد أعمال فنية كهدايا لأهلهم، فكنت أعمل تحف صغيرة، واستخدمت في البراويز التي كنت أصممها عبوة معجون الأسنان بعد تفريغها".
ومن الغريب أن يستخدم عدوان فنه في تخفيض سنوات محكوميته، خفض منها حوالي سنتين وأربعة أشهر، وذلك من خلال أعمال فنية كان يطلبها الضباط الإسرائيليين داخل السجن؛ إلا أنه رفض أن يقدم لهم أي عمل فني إلا بتخفيض سنة عن كل عمل فني يقوم به.
وتابع قائلًا: "طلبوا مني أن أعمل مجسمات لأبراج فرفضت إلا أن يعطوني تخفيف سنة من الحكم الذي أصدروه بحقي، فعملت برج واحد لأحد الرتب في السجن وبالفعل خفض سنة من المحكومية، وطلب مني رئيس لجنة آخر أن أصمم له برج فرنسا، وبالفعل خفض من المحكومية سنة وأربع أشهر أخرى".
أعواد الكبريت ورسائل
وفيما يخص استخدام أعواد الكبريت في المجسمات الأخيرة التي أعدها، اعتبر عدوان "أن برج "إيفل" الفرنسي كله من قضبان الحديد والمسامير، فيعطيك الكبريت منظرًا دقيقًا للحديد والمسامير بنفس تشكيل البرج"، مؤكدًا أن عنده مقدرة على التشكيل بأدوات ومكونات مختلفة كالألمنيوم والزجاج والورق وغيرها.
وعن أسباب اختياره لتصميم المجسمات الثلاثة، نوّه أنه اختار برج "إيفل" كرمز لفرنسا ليناشدهم بأن ينظروا إلى شعب غزة المحاصر ويكون دعمهم ملموسًا ولا يقتصر على الكلمات، معتبرًا "وأنا أحترم كل شعوب العالم بغض النظر عن أي منحرف، احترام إنسانية، والشعب الفرنسي لا يترك من يقف معه كالشعب الجزائري".
وقال: "الأهرام تدل على آثار مصر القديمة، وبرج الجزيرة يدل على الفن الحديث لمصر، علاوة على أن مصر تعتبر البلد الأول لنا، وكثير من العائلات منها مصرية"، لافتًا أنه من مواليد المحافطة الشرقية و"بأعتبر نفسي مصري".
وأضاف: "هذه الأعمال رسالته أننا لا يعنينا في السياسة، نريد أن يتحسن المعبر أمام المرضى والمحتاجين، ونحن ليس لنا باب نخرج منه إلا من هنا، وأنا فقدت وثيقة سفري عندما فتح الصور، فأطالب أنا أن يفتح المعبر لكي أعود إلى مصر، وهذا المجسم هو هدية لهم ولشعبهم".
وتابع بقوله: "عندما أسمع في الراديو عن المرضى والطلبة ومعاناتهم في المعبر والحزن الذي يعانوه فأحببت أن أبين هذه المعاناة وارتباطنا التاريخي وحبنا في مصر وأنها منفذنا الوحيد للعالم، وأنا أتمنى أن أعود إلى مصر التي أعتبرها مسقط رأسي، ومن حقي أن يعطوني جنسية مصرية لأني ولدت هناك وأمي مصرية".
وأشار أن المجسم الأخير هو عبارة عن بيت على نمط البيوت الأفريقية، منوهًا أنه اختاره كونهم عاشوا الفترة العنصرية والظلم تمامًا كما يعيش الشعب الفلسطيني في ظل ظلم وعنصرية الاحتلال الإسرائيلي.