عشر سنين تمضي من الحياة تحمل بين طياتها حشد من المعاناة والألم، تذهب فيها زهرات الأعمار وعنفوان الشباب داخل سجون الاحتلال الإسرائيلية، في قصة حرمان متكررة المشهد يعيشها آلاف الأسرى الفلسطينيين على مدار عشرات السنوات، يواجهونها بكل صمود وثبات وتحدٍ بإرادتهم الصلبة وأمعائهم الخاوية.
اعتقلت قوات الاحتلال الإسرائيلي الأسير المحرر محمد أحمد الطويل، وهو يبلغ من العمر 19 عامًا، ليمكث داخل غيابات سجونه عشر سنوات أصدرتها محكمة بئر السبع بحقه بتهمة الانتماء لحركة الجهاد الإسلامي والقيام بأعمال مقاومة ضد الاحتلال، وأفرجت عنه في الأول من شهر مايو الحالي بعد انتهاء مدة محكوميته.
"ولدت مرتين، مرة في تاريخ 16/5/1988م، والمرة الأخرى في 1/5/2017م، والميلاد الثاني كان أجمل بكثير من الأول، لأني كنت فيه واعيًا وجاء بعد معاناة عرفت فيها معنى الحرية"، هكذا تحدث عن لحظة الحرية.
والأسير محمد أحمد حسن الطويل 29 عامًا من سكان حي الجنينة شرق مدينة رفح جنوبي قطاع غزة، وهو أعزب، ولد بتاريخ 16/5/1988م في عائلة تعود جذورها إلى بلدة يبنا المحتلة عام 1948.
10 سنوات اعتقال
ويروي الأسير المحرر محمد الطويل لـ"فلسطين الآن" ظروف اعتقاله ويقول: "اعتقلت أنا ومجموعة للجهاد الإسلامي في عملية زراعة عبوة قرب موقع كرم أبو سالم العسكري شرق رفح، حيث زرعنا العبوة ونحن في طريق العودة كشفنا الموقع وأطلق علينا النار، وخرجت آليات من الموقع وتم اعتقالنا في 2/5/2007 الساعة السادسة والنصف صباحًا".
أضاف: "أول لحظات الاعتقال انتابني شعور لا يوصف بأنني ذاهب إلى مصير مجهول، شعور أنه من المستحيل أن أخرج من السجن ولا يوجد مجال للأمل في العودة إلا إلى المقبرة"، موضحًا أنه حُكم عليه عشر سنوات وحُكم على رفيقه الأسير أحمد الصوفي 24 سنة.
عشر سنوات أمضاها الأسير في سجون الاحتلال تحمل بين طياتها تقلبات الحياة، يكون الخبر السار فيها مصدر بهجة وسعادة كبيرين له، والخبر الحزين يكون بمثابة عدٍّ بطيء للأيام يصبر نفسه فيها بالدعاء وتلاوة القرآن، كما عبر خلال حديثه.
وعدّ الطويل أن آخر ثلاث سنوات في الأسر كانت بمثابة ثلاثين سنة أو أكثر، مشيرًا أن مصلحة السجون أمعنت خلالها في سياسة الضغط والتنكيل بحق الأسرى، وكانت كل الأمور التي من حق الأسرى في قائمة المنع، وأي طلب يطلبه الأسرى من حقوقهم التي يحتاجونها لكسر الروتين عن أنفسهم يتم تلبيتها بعد عام أو عام ونصف.
ولفت أن فترة الثلاث سنوات زادت التفتيشات المفاجئة لغرف الأسرى، واصفًا حال الأسرى بقوله: "خلال هذه الفترة كان أحدنا يخاف أن يدخل الحمام بسبب التفتيش المفاجئ، خوفًا من مداهمة الجنود للغرف ويكون الأسير عاريًا، وفي بعض الأوقات كنت تضطر أن تؤجل حمامك من الساعة السادسة صباحًا وحتى الثانية عشر ليلًا".
معاناة العزل
من أصعب المواقف التي عاشها الأسير الطويل هو عزله في سجن مجدو في آخر سنة من سنوات سجنه، وقال: "كان هذا من أصعب المواقف في حياتي خصوصا في آخر سنة وأنت تعد كل يوم بيومه، فعشت في جو نفسي صعب خوفًا من تهمة جديدة وتجديد لعدد سنوات الحكم بسبب تلفقاتهم".
وأشار أن الاحتلال خلال هذه الفترة حقق معه لمدة 36 يومًا بتهمة حيازة منشار داخل غرفة السجن هو وأحد الأسرى الآخرين، وظل يعيش في حالة من الترقب والقلق خوفًا من زيادة الحكم، خصوصًا أنه لم يتبق له إلا أشهر معدودة وتنتهي محوميته.
وتابع بقوله: "عندما خرجت من العزل كان كأنه يوم ميلاد جديد لأن موعد الحرية يكون قد اقترب، ولكن بسبب التعب الشديد والآلام في الظهر أثناء البوسطة تمنيت أن أموت وأنا في هذه اللحظات من شدة الألم".
وعدّ الطويل أن أكثر لحظاته فرحًا هو لحظة خروجه من العزل وحديثه مع والدته عبر الهاتف لمدة سبعة دقائق، كانت بمثابة الحياة بالنسبة له.
حرية منقوصة
وعبّر الطويل عن حزنه الشديد أنه ترك إخوانه الأسرى في ظل الإضراب عن الطعام الذي يخوضونه في معركة الكرامة، وقال: "طعم الحرية كان ناقصًا لأني تركت أخوة أعزاء عشت معهم سنوات وهم يعانون أشد المعاناة في الإضراب الذي يخوضونه ويكابدون الويلات والكل ينتظر موته".
وأضاف: "أوضاع الأسرى في السجون يرثى لها، وهم الآن يخوضون معركة الأمعاء الخاوية ومتسمرون فيها، والجميع ينظر ومتقاعس عن مساعدتهم، نعم خيمة الاعتصام تساعد ولكن بشكل عام لا تجدي نفعا، والعدو كما عودنا ليس له ألا القوة، القوة والقوة".
وتابع بقوله: "في تاريخ حركة الأسيرة منذ الثمانينات إلى اليوم أصعب إضراب يمر على الحركة الأسيرة هو هذا الإضراب، ولكن يمتلكون معنويات جبارة، ويسخرون كل المصاعب باتجاهههم والجميع يعلم أن الإضراب جو ملل دون خروج للفورة، ولكن عندما يأتوا ينكلون بك تستغل ذلك لكي تكسر هذا الملل".
ووجه رسالة الأسرى بقوله: "رسالة الأسرى الوحدة ثم الوحدة ثم الوحدة، وأيضا خيمة الاعتصام لا تكفي وواجب علينا فك العاني، رسالتي للمقاومة لا تتركوهم يموتون، والأسير يريد فقط هو الشعور الذي أشعره أنا اليوم وهو الحرية".
وعن لحظة الحرية قال: ""ولدت مرتين، مرة في تاريخ 16/5/1988م، والمرة الأخرى في 1/5/2017م، والميلاد الثاني كان أجمل بكثير من الأول، لأني كنت فيه واعيًا وجاء بعد معاناة عرفت فيها معنى الحرية".