تجلس الفتاة مريم أبو سمرة أمام لوحتها الفنية الخشبية وتتنقل بمكوى خاص للحرق ببطء على جميع أجزائها، وتعتمد على حركة يدها وخفتها في تدكين أجزاء من رسمتها وتفتيح أجزاء أخرى، في عمل فنيّ مبدع يحتاج إلى وقت وصبر وأناة تتحدى فيها الفتاة إعاقتها الخلقية التي رافقتها منذ الصغر.
رغم الإعاقة الخلقية التي تسببت في ضعف في العضلات وهشاشة في العظام مما يمنعها عن العمل لفترة طويلة؛ إلا أن الفتاة مريم أبو سمرة 24 عامًا تثابر في إنتاج لوحاتها الفنية المتنوعة بالحرق على الخشب كأحد الفنون التشكيلية، تواجه بذلك إعاقتها وتنمي موهبتها وتفتح لها مجالًا للكسب والرزق.
إبداع رغم الإعاقة
عانت الفتاة مريم أبو سمرة من مدينة رفح جنوب قطاع غزة من ضعف في العضلات وهشاشة في العظام منذ ولادتها كما أفادت خلال حديثها لـ"فلسطين الآن"، وتحدت إعاقتها وحصلت على دبلوم فنون الحرق على الخشب من كلية المجتمع بغزة، ليكون ذلك بداية لمسيرتها التي ما زالت تخطو خطواتها الأولى.
بعد حصول مريم على دبلوم فن الحرق على الخشب توجهت إلى مركز الخدمات النسائية غرب مدينة رفح، وتواصل التردد عليه منذ أكثر من عامين ونصف، مشيرة أن المركز وفر لها المكان وكل الأدوات التي تحتاجها في أعمالها الفنية من الخشب والآركت والمكوى الخاص بالحرق والمشاركة في المعارض.
وأوضحت مريم أن فن الحرق على الخشب هو أحد الفنون التشكيلية التي تستخدم الخشب كأحد أهم أدواتها، لافتة أنه ليس كل أنواع الخشب يجدي معها هذا الفن، ومشيرة أن أهم انواع الخشب المستخدم في الحرق هو الأبلكاج إضافة خشب قشرة الزان.
وعن خطوات الحرق التي تتبعها مريم قالت: "بداية أحضر الصورة أو الكلمات أو الرسمة جاهزة وتكون عبارة عن أبيض وأسود، وبورق الكربون نفرغ الرسمة يدويًا بعد تثبيت الورقة على الخشب جيدا حتى لا تتحرك الورقة ويتم طباعتها على الخشب بكل إتقان، وفي حال عدم وجود كربون نستعمل أقلام الرصاص في التفريغ".
بعد تفريغ الصورة أو الشكل الفني أو الكلمات الكتابية على اللوحة الخشبية، تبدأ مريم باستخدام مكوى اللحام على أجزاء الرسمة المفرغة بكل دقة وحرص كبيرين، معتمدة على يدها في تدريج اللون على اللوحة حسب ما يحتاجه كل جزء من أجزاء الصورة أو الشكل.
وقالت: "درجات الألوان تعتمد على اليد، حسب الخفة التي نستخدمها، فهناك أماكن نغمق فيها وأماكن تكون فاتحة حسب الصورة والشكل، وذلك يعتمد على خفة اليد والضغط على اللوحة بالمكوى".
أول لوحة قامت بها مريم بعد الجامعة لوحة القدس، حيث رسمتها صديقتها بنية تلوينها إلا أن مريم قامت بإخراجها بفن الحرق على الخشب، قائلة "صديقتي رسمت هذه الصورة وكانت تريد تلوينها وقمت بعملها بفن الحرق وخرجت بشكل جميل جدا وبعدها بدأت الممارسة بشكل أكبر".
وأضافت: "من اللوحات المميزة عندي وتم بيعها في معرض من المعرض لوحة فيها غزال يحتضن أبناءه ممثلُا دور الأم"، منوهة أن الكثير من لوحاتها شاركت في معارض مختلفة عن طريق المركز كان أهمها معرض يوم الأرض، وبيعت عدد من اللوحات في هذه المعارض.
وتابعت بقولها: "الفن موهبة ورسالتي كل فتاة لها موهبة أن تمارسها ولا تكتمها وتخرجها ولا تبقيها بينها وبين نفسها، وطموحي أن فتح مشروعًا خاصًا لي ومعرضًا خاصًا بي ولكن الوضع الذي نعيشه لا يسمح".
مركز ينمّي
ومن جانبها أشادت مدربة الأشغال اليدوية والمنزلية للسيدات في مركز الخدمات النسائية شيرين نصار بإبداع الفتاة مريم أبو سمرة رغم إعاقتها، وقالت: "مريم ضمن مجموعة وفريق؛ ولكنها أكثر من يشتغل على الخشب لأنها متخصصة، وهي أكثر من يصل إلى درجات أغمق في الحرق نصار ".
وأكدت أن الحرق على الخشب من أهم الأنشطة التي يرعاها المركز، ويوفر المواد اللازمة للفتيات الملتحقات لينتجوا من إبداعهم لوحات فنية جميلة.
وأشارت نصار أن خشب الأبلكاج الأبيض هو أكثر أنواع الخشب المستخدم في المركز لإعداد هذه اللوحات، مرجعة ذلك لرخص ثمنه إضافة إلى ظهور الحرق فيه بشكل واضح يمكن من خلاله التحكم الكبير في تدرج اللون، بخلاف الأبلكاج الأحمر الذي يحتاج إلى جهود إضافية أكثر لتصل إلى درجة حرق داكنة.
ونوهت أن مكوى الحرق من أهم الأدوات في انتاج لوحات الحرق على الخشب، وذكرت أن " مكوى الحرق له مجموعة من الأسنان كل لها استعمال معين، فيوجد المضلع ويوجد من يعمل وردة وهناك من يحفر في الخشب نفسه"، لافتة إلى مشكلة الكهرباء التي يعاني منها قطاع غزة والتي تؤثر على العمل، حيث يحتاج إلى ترنس لتقوية الكهرباء للوصول إلى درجات حرق معينة.
وفيما يخص مصير اللوحات بعد انتاجها، أفادت نصار أن المركز يشارك في معارض متنوعة سنوية وفي حال تم بيع أي منها يتم توزيع ثمنها بنسبة بين المركز والفتاة التي قامت باللوحة، منوهة أن أكثر ما يباع في منتوجات الحرق على الخشب الدلاليات والميداليات لأنها تباع بملغ زهيد، أما اللوحات حسب الطلب والمناسبات المختلفة.