10.01°القدس
9.77°رام الله
8.86°الخليل
15.83°غزة
10.01° القدس
رام الله9.77°
الخليل8.86°
غزة15.83°
الأحد 22 ديسمبر 2024
4.59جنيه إسترليني
5.15دينار أردني
0.07جنيه مصري
3.81يورو
3.65دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.59
دينار أردني5.15
جنيه مصري0.07
يورو3.81
دولار أمريكي3.65

خبر: بين كراهية الإخوان ومحبة الوطن

ثمة خطاب عالي الصوت يملأ فضاء مصر الآن مشغول بتكريس كراهية الإخوان بأكثر من انشغاله بالاصطفاف دفاعا عن محبة الوطن. (1) لدينا مشكلة كبرى في تكييف المشهد، أربكت كثيرين وضللتهم. إذ لدينا في انتخابات الإعادة رمزان أحدهما يمثل جماعة الإخوان والثاني يمثل نظام مبارك. وإذا كان هناك مشترك بين الاثنين فهو أنهما لا يمثلان أفضل ما تمنيناه. لكن الخطأ الكبير الذي يؤدى إلى الالتباس والتضليل يكمن في طمس الفروق بينهما ومن ثم وضعهما معا على قدم المساواة. وقد قلت من قبل إن الأول ينبغي أن تفكر جيدا قبل أن ترفضه، في حين أن الثاني نرفضه دون أن نفكر. كما أن الأول يعدنا بمستقبل غامض أما الثاني فيستعيد ماضيا كئيبا. والأول يقف منحازا إلى الثورة (23 شخصا من الإخوان قتلوا في أثناء الثورة) والثاني كان شريكا في محاولة إجهاض الثورة، في هذا السياق تلقيت رسالة من الشيخ جمال قطب مسئول الإفتاء السابق بالأزهر قارن فيها بين الرجلين، قائلا إن خيارنا صار بين تعاطي دواء لم تستطع الشركة المنتجة الترويج له أو إقناع الناس بفاعليته وجدواه، وبين دواء مسرطن يفتك بكل من يتعاطاه ولا أمل في نجاة من يبتلعه. هذه الفروق لم يتغاضَ عنها البعض فحسب. وإنما وجدنا من عمد إلى قلبها رأسا على عقب فقرأنا لمن قال إن الفرق بين الرجلين كالفرق بين الكوليرا والتيفود، إذ كلاهما قاتل. وذهب آخرون في التدليس إلى حد القول بأن «الفريق» أحمد شفيق يمثل الدولة المدنية. أما الدكتور محمد مرسى فيمثل الدولة الدينية، الفاشية عند البعض. (2) لأن مبارك أمات السياسة في مصر فإن التنافس والتجاذب بين الجماعات والتيارات المختلفة ظل يدور في ساحة الإعلام بالدرجة الأولى. وهى الساحة التي يهيمن عليها تاريخيا خصوم الإخوان من علمانيين وليبراليين وماركسيين، يضاف إليهم عناصر وأذرع أجهزة الإدارة والأمن، وهؤلاء ظلوا طوال العقود الماضية يروجون لفكرة «الفزاعة» التي غدت عنوانا ثابتا للعلاقة بين السلطة والإخوان منذ نحو ستين عاما. حين دخل إلى المرحلة الأخيرة من سباق التنافس على الرئاسة مرشح الإخوان فإن كل تلك المنابر تحولت إلى منصات لإطلاق ما لا حصر له من زخات النقد والتجريح والترويع التي استهدفت اغتيال الجماعة وتخويف المجتمع من مشروعها. وكان أخف ما قيل في حقهم ما ذكره أحد الكتاب المحترمين في مقال نشر يوم الجمعة 1/6 من أن الإخوان «يريدون أن يطردوا البهجة من حياتنا. يريدون حياة قوامها الجنس وأكل اللحمة والفتة. (لذلك) فإن المستقبل في حكم الإخوان أسود من قرن الخروب». وإذا كان ذلك هو الكلام المخفف الذي صدر عن كاتب محترم فلك أن تتصور ما يمكن أن يصدر عن أنطاف المحترمين وغير المحترمين. لست أدعى أن الإخوان فوق النقد. وكنت أحد الذين مارسوا ذلك النقد في حينه. وليس عندي أي دفاع عن أخطائهم الجسيمة التي وقعوا فيها خلال الأشهر الأخيرة، والتي أدت إلى خسرانهم خمسة ملايين صوت في الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة. لكنى فقط أسجل تحفظي على ثلاثة أمور، أولها استخدام النقد سبيلا إلى التجريح والاغتيال والإقصاء. واللجوء إلى أساليب غير شريفة في ذلك. الأمر الثاني تعميم ذلك النقد على مجمل الحالة الإسلامية والتطاول من خلاله على مقاصد الإسلام وقيمه. أما الأمر الثالث فهو الغلو في النقد إلى الحد الذي يعبر عن الاستعداد لاستمرار حكم العسكر أو لتسليم البلد إلى نظام مبارك مرة أخرى، مقابل إسقاط مرشح الإخوان، يمر عن ذلك عنوان نشرته إحدى الصحف، يقول: «نار العسكر ولا جنة الإخوان». تجسد ذلك أيضا في قول أحدهم إنه يقبل بأي طرف غير الإخوان، ويقبل بأي رجعية إلا مرجعية الإسلام. حتى لا يلتبس الأمر على أحد فإنني أقرر أنه منذ بدأت الحملة الانتخابية لم أكن مشغولا كثيرا بمن سينجح في الانتخابات، لكنني لم أكف عن الدعوة إلى إسقاط كل من كانت له صلة بمبارك ونظامه. إذ اعتبرت أن إنقاذ الثورة واستمرارها هو مسئولية الجماعة الوطنية المصرية بكل فصائلها، وأن أي اختراق من جانب رموز عصر مبارك لأي موقع متقدم في مدارج السلطة العليا يمثل تهديدا مباشرا للثورة. لذلك لا أستطيع أن أخفى دهشة إزاء موقف قطاع عريض من العلمانيين والليبراليين الذين انساقوا وراء مشاعرهم المخاصمة للإخوان، إلى الحد الذي جعلهم يقفون تلقائيا في صف الفريق شفيق. وبالتالي فإنهم شغلوا أنفسهم بتصفية حساباتهم مع الإخوان وبإسقاط الدكتور مرسى. ولم يكترثوا بإنقاذ الوطن من براثن نظام مبارك. الأمر الذي يسوغ لي أن أقول إن كراهيتهم لإخوان تلبستهم حتى أعمتهم عن محبة الوطن والغيرة عليه. (3) منذ تبين أن الإعادة في انتخابات الرئاسة بين مرشح الإخوان ومرشح نظام مبارك، انطلقت ماكينة الإعلام والدعاية التي أعادت إنتاج خطاب الفزاعة، بصورة أكثر شراسة وكثافة. إذ فوجئنا بتدفق سيل الكتابات التي خوف الناس من أن الإخوان سيسارعون إلى إعلان الخلافة، وسيفرضون الحجاب على كل الإناث، وسيحرمون السياحة وسيغلقون البنوك الربوية وسيمنعون السينما والمسرح وسيحاربون مختلف صور التفكير والإبداع. سيختتنون الفتيات وسيفرضون الجزية على الأقباط.. إلى آخر العناوين التي تبشر باستنساخ طالبان في أفغانستان وتخوف من ميليشيا يعدها الإخوان ويدربونها على السلاح لمقاومة الجيش المصري. ليس ذلك فحسب، وإنما استهدفت حملة التشويه والتخويف مجلس الشعب أيضا لمجرد أن الإسلاميين حازوا الأغلبية فيه، الأمر الذي استفز قاضيا مخضرما هو المستشار محمود الخضيري الذي يرأس اللجنة التشريعية بالمجلس، ودفعه إلى كتابة مقالة نشرتها «المصري اليوم» في 27/5، وقال فيها إنه لم ير في حياته هجوما على مجلس شعب مصر مثلما رأى في المجلس الحالي. وفهمنا من المقالة أن الرجل فقد أعصابه حين سأله أحد الصحفيين عن مشروع قانون يبيح مضاجعة الموتى (وهى شائعة مدسوسة وكاذبة)، في حين لم يهتم الصحفي بحزمة التشريعات المهمة التي تبنتها اللجنة التشريعية، وفى مقدمتها ما تعلق بمنع محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية. وتثبيت العمالة المؤقتة الذي يفيد عشرات الآلاف من العمال، وتقرير الحد الأدنى والأقصى للأجور.. إلخ. ما يثير الانتباه في هذه الحملات التي تصب كلها في مجرى التيئيس والترويع والتخويف من انقضاض الإخوان على الدولة تفترض أن الخمسة وثمانين مليون مصري تحولوا إلى قطيع من الماشية لا حول لهم ولا قوة، وان الملايين الجسورة التي انتفضت لإسقاط مبارك ونظامه، سوف تسلب إرادتها وتركن إلى الاستسلام والخنوع في ظل الحكم الذي يتصدره الإخوان. وإذ أفهم أسباب تراجع الثقة في الإخوان إلا أنني لا أفهم ولا أجد مبررا لفقدان الثقة في وعى الجماهير المصرية، وفى قدرة الجماعة الوطنية على وقف أي تغول أو انحراف من جانب الإخوان أو غيرهم. إن محاسبة الإخوان ومطالبتهم بتصحيح أخطائهم وطمأنة الناس واجب في كل وقت. ولكن تأكيد القطيعة مع النظام السابق هو واجب الوقت. والمعركة الأولى مرحلية بوسعنا أن نكسبها، أما المعركة الثانية فإستراتيجية لا ينبغي أن نتراخى أو تهمل في التصدي لها. ذلك أننا نستطيع أن نسحب الثقة من الإخوان في ظل الثورة، لكننا لن نستطيع أن نكسب المعركة الثانية إلا بثورة جديدة. (4) ثمة جانب مسكوت عليه في المشهد الذي نحن بصدده، يتعلق ببرنامج الفريق أحمد شفيق على الصعيدين الداخلي والخارجي. وقد أخذ الرجل راحته في الحديث عن سياسته الداخلية أمام غرفة التجارة الأمريكية المصرية، في حين حدثتنا تصريحات المسئولين الإسرائيليين عن سياسته الخارجية، التي سكت عنها وتجاهلها. في 24/5 نشرت صحيفة نيويورك تايمز خلاصة لكلامه أمام غرفة التجارة، عرضه مراسلها في القاهرة دافيد كيرك باتريك. ولم يفت المحرر أن ينوه في البداية إلى أن الفريق شفيق ذكر لسامعيه أنه ليس آسفا لأنه اعتبر مبارك مثله الأعلى، وأنه خاض الانتخابات الرئاسية مراهنا على أمرين، أولهما الخوف من الإخوان، وثانيهما الوعد بوقف التسيب الأمني. أضاف صاحبنا أن المرشح الرئاسي أعلن أمام سامعيه أنه سوف يستخدم القوة المفرطة ولن يتردد في اللجوء إلى تطبيق عقوبة الإعدام لإعادة الأمن إلى البلاد خلال شهر، ووسط تصفيق النخبة التي رحبت بكلامه سخر الفريق من البرلمان الذي تم انتخابه بعد الثورة، وقال إن الإسلاميين فيه لديهم ميليشيات مسلحة مستعدة لخوض الحرب الأهلية، ولبننة الوضع في مصر. في حديثه عن علاقة المجلس العسكري بالسياسة نقل المحرر الأمريكي عنه قوله إنه يؤيد قيام الجيش بدور الحامي للشرعية الدستورية في مصر، كما أنه يؤيد استمرار الإمبراطورية الاقتصادية للجيش، معتبرا أن استمرارها يعد «ضرورة إستراتيجية». وذكر اعتقاده أن الفريق شفيق يؤيد أيضا فرض الأحكام العرفية في حالة الطوارئ، دون حاجة للرجوع إلى البرلمان، وفيما خص اللواء عمر سليمان رئيس المخابرات السابق، قال صاحبنا إنه إذا أمكن الاستفادة من خبراته في أي موقع، فينبغي ألا نتردد في ذلك. وهى المقولة التي قال الصحفي الأمريكي إنها استقبلت بعاصفة من التصفيق. أما في الشق المتعلق بالسياسة الخارجية المسكوت عليها بدورها، فإن حفاوة الإسرائيليين به كافية في إلقاء الضوء على موقفه، حتى أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو طلب من وزرائه أن يكتموا فرحتهم، حتى لا تنكشف حقيقة الرجل أمام الرأي العام المصري ويؤثر ذلك على التصويت لصالحه. وهو ما ذكرته الإذاعة العبرية صراحة مساء يوم 29/5. أما الذين تكلموا من المسئولين الإسرائيليين فقد قال أحدهم إن شفيق سيكون ذخرا لإسرائيل أهم من مبارك، لأنه إذا انتخب فسيكون قد جاء بطريقة ديمقراطية، وقال آخر إنه إذا تحقق ذلك فسيعود ضخ الغاز لإسرائيل. وستعود العلاقة بين القاهرة وتل أبيب إلى «الصفاء» الذي كانت عليه قبل الثورة. ما يدهشني في الأمر أنه في حين يلوح شبح مبارك ونظامه في الأفق بقوة، أجد بعض السياسيين والمثقفين في مصر يتحدثون عن مقاطعة الانتخابات الرئاسية. بدعوى أنهم غير مقتنعين بالمرشحين الاثنين. وهو موقف غريب لأنه يقدم هدية مجانية إلى مرشح مبارك، باعتبار أنهم بذلك يضعفون مركز منافسه. إنني إذ أفهم سبب تحفظهم على الإخوان أو كراهية بعضهم لهم، فإنني لا أتصور أن يكون ذلك سببا كافيا لإفساح الطريق لفوز مرشح مبارك برئاسة مصر.