الترحيب واجب بكل خطوة تتم باتجاه تخفيف الأعباء عن موظفى الدولة وأصحاب المعاشات فى مصر. وهو ما ينسحب على القرار الذى اتخذته الحكومة فى أول اجتماع لها برئاسة الدكتور محمد مرسى يوم الأحد الماضى (2/7)، وقضى بصرف علاوة بنسبة 15٪ للعاملين فى الدولة وأصحاب المعاشات ورفع معاش الضمان الاجتماعى بنسبة 50٪ (من مائتى جنيه إلى ثلاثمائة). ولا أعرف إلى أى مدى يمكن أن تسهم تلك الخطوة فى تحريك قضية العدالة الاجتماعية التى دعت إليها الثورة، ولكنها فى حدها الأدنى تبعث برسالة دالة على أن ثمة سعيا فى ذلك الاتجاه. لكنى لا أخفى أنه ترحيب مسكون بالقلق والخوف من عدة أوجه، أوجزها فيما يلى: ــ أكرر ما سبق أن قلته عن خشيتى من إشاعة ثقافة تحصيل الحقوق والسكوت على مسئولية أداء الواجبات، وقد لاحظت فى هذا الصدد أن صحف الاثنين نقلت عن المتحدث باسم رئاسة الجمهورية قوله إن قرار الزيادة استهدف السعى لرفع الأعباء عن كاهل المواطنين دون أية إشارة إلى ما يتعين أن يفعله المواطنون بالتوازى مع ذلك. ــ إن أهل الاقتصاد يعرفون جيدا أن الغلاء لا يعالج بزيادة المرتبات، التى يمكن أن تكون عنصرا يسهم فى زيادة وطأة الغلاء. لأن من شأن ضخ الفلوس فى الأسواق مع ثبات معدلات المعروض من السلع أن يحدث نوعا من التضخم يزيد فيه الطلب على العرض، وبالتالى ترتفع أسعار السلع تلقائيا. كما يعرف أهل الاقتصاد أن زيادة الإنتاج، وحدها التى تؤدى إلى زيادة الدخول وتسهم بصورة مباشرة فى زيادة المعروض من السلع ومن ثم خفض أسعارها. ــ إن زيادة الدخول مع ثبات المعروض من السلع كما هو يعطى انطباعا وهميا بالوفرة المالية النسبية، فى حين أن الشخص الذى زاد دخله سيكتشف بمضى الوقت أن الزيادة لم تدخل جيبه وإنما ابتلعتها السوق على الفور. وهو ما يعنى أنه لا معنى ولا جدوى من زيادة الدخول ما لم تقترن بزيادة الإنتاج. ــ ليس واضحا كيف دبرت الحكومة الملايين التى ستصرف لتنفيذ القرارات التى اتخذت. وربما كان الأمر أكثر إقناعا وادعى إلى الاطمئنان إذا أعلنت الحكومة عن حجم العبء الجديد، والمصدر الذى اعتمدت عليه فى توفير متطلباته. ولأن الأمر غامض من هذه الناحية فأخشى ما أخشاه أن يؤدى ذلك العبء الجديد إلى زيادة العجز الكبير فى موازنة الدولة، ما لم تنجح الحكومة فى تدبير مصادر للدخل تغطى المبلغ المطلوب. ــ إننى لم أفهم بعد لماذا لا تلجأ الحكومة إلى مصارحة الناس بالحقيقة وأن تطالبهم بتحمل مسئوليتهم إزاءها. أعنى لماذا لا يشرح أى مسئول للمجتمع تفاصيل الوضع الاقتصادى الراهن ويعلن على الملأ أن إنقاذ ذلك الوضع ليس مسئولية الحكومة وحدها، ولكنها مسئولية الشعب أيضا. وبعدما دفع الشعب ثمنا باهظا لإسقاط النظام السابق، فيتعين على الجميع أن يثبتوا على موقفهم الشجاع، وأن يكونوا على استعدادا لاحتمال بعض التضحيات وبذل مزيد من الجهد لتأسيس وبناء النظام الجديد، وليس مطلوبا من أحد أن يتنازل عن حقه فى تحسين دخله، ولكن المطلوب من كل أحد قليل الصبر على ذلك. وكثير من الجهد والعرق لكى يصبح تحسين الدخل حقيقيا وليس وهميا. ــ إننى ألمح فى خطاب الحكومة جنوحا نحو سياسة المسايرة والمجاملة، وليس المكاشفة والمصارحة. ذلك أننى قرأت قبل أيام قليلة خبرا عن زيادة ياميش رمضان المعروف فى الأسواق بنسبة 57٪ بالمقارنة بالعام الماضى. ورغم أن الخبر المنشور لم يتحدث عن العبء الذى تحملته موازنة الدولة جراء ذلك. إلا أننى لم أفهم لماذا تقدم الحكومة على هذه الخطوة فى الظروف الاقتصادية الصعبة التى تمر بها البلاد. بل أجد فى هذا الموقف سلوكا لا يشجع على الاستهلاك فحسب، وإنما لا يعبر عن التعامل بجدية وشجاعة مع المسألة، حيث تمنيت أن يدعى الناس إلى تحمل مسئوليتهم فى مواجهة الوضع الاقتصادى الصعب بحيث يطالبون بالاستغناء عن الياميش هذا العام. وهذا الموقف الشجاع من شأنه أن يخفف من أعباء الموازنة من ناحية، كما أنه يسهم فى تأسيس ثقافة المشاركة والمسئولية المجتمعية التى نحن فى أشد الحاجة عليها بعد الثورة. أكاد أرى فى بعض السياسات المتبعة الآن أصداء النظام القديم، الذى عمد إلى تغييب المجتمع وممارسة السلطة الأبوية إزاءه، فلا اعترف بحق الناس فى المعرفة أو حقهم فى المشاركة، وعمد إلى التظاهر بتدليلهم فى الوقت الذى كان البلد كله مخطوفا وثروته وأرضه منهوبة. إننا نريد أن نبنى مجتمعا مسئولا عن صناعة حاضره وبناء مستقبله، وواعيا بواجباته جنبا إلى جنب مع حقوقه، كما نريد أن ننتقل من ترديد الشعار الشعب يريد إلى تثبيت شعار الشعب يشارك لكى ننتقل من ميدان التحرير إلى ميدان الإنتاج والإبداع.
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.