لا أعتقد أن مشروع المفاوضات الذي يقوده الرئيس محمود عباس يملك فرصة العودة إلى الحياة بعد أن مات سريرياً وينتظر المراقبون خبر الإعلان عن الوفاة الحقيقية. هذا الاعتقاد يستغرق الشعب الفلسطيني كافة عدا نفر قليل يؤمنون أن الحياة مفاوضات، وأن خض الماء تكراراً ومراراً قد ينتج سمناً. لا أحسب أن مشكلة الشعب الفلسطيني تكمن في تناقض رؤيته مع رؤية هذا النفر القليل، الذي ارتبط مصيره، وارتبطت منزلته بالمفاوضات فحسب، بل إن ثمة مشكلة بنية الوعي الفلسطيني حيث لم يتعود على محاسبة قادته وهم أحياء، إذ لم يسجل تاريخ الشعب أنه حاسب رئيسه على فشله، أو على مخالفته للإرادة الشعبية الغالبة !! عشرون عاماً من مفاوضات فاشلة بنص رسالة محمود عباس إلى نتنياهو، ومع ذلك لم يطلب الوعي الفلسطيني كشف حساب من رئيسه عن قيادته لمشروع فاشل. قد لا يوفق قائد أو رئيس فيما يطرح من مشاريع في ولايته وحكمه، ولكن الشعب بوعيه يملك الحق في المراقبة والتقويم والمحاسبة، وهذا هو القاسم المشترك بين الشعوب الغربية ذات الديمقراطيات المستقرة، حيث لا يوجد (زعيم، ورمز، وخالد، ومؤبد)، بل عجلة التغيير تتحرك دوماً. لم توقف المفاوضات الاستيطان، ولم تعرقل تهويد القدس، ولم تحرر الأسرى ولم تمنح الشعب حقه في تقرير مصيره، وما زال الإعلام والقادة يتناولون في تصريحاتهم التعليق على حل الدولتين وحل الدولة الواحدة، وأيهما أجدى فلسطينياً، ويعلق الرئيس عباس مؤخراً أنه ليس مع حل الدولة ثنائية القومية، بل هو مع حل الدولتين؟! بينما يقول الميدان إنه لا حل الدولة ولا حل الدولتين موجودان في قاموس الدولة العبرية. في السياسة العبرية التفاوضية لا أكثر من حكم ذاتي موسع، أو حل دولة ذات حدود مؤقتة، تؤول في المستقبل إلى دولة دائمة بحسب الرؤية الصهيونية. مشروع التفاوض يحيا في تصريحات الرئيس وفي تصريحات عريقات وفي إعلام الجامعة العربية، ويموت في القدس وفي ساحة الميدان في رام الله، وفي كل مدينة وقرية فلسطينية مستباحة لجنود الاحتلال ومستباحة للتنسيق الأمني. مشروع التفاوض مشروع مالي، ومشروع رواتب، ومشروع مراسم ولا علاقة له بالتحرير، وتقرير المصير، وإيقاف الاستيطان، ولا أحسب أن الرئيس كان موفقاً حين دخل هذا المشروع بلا أوراق قوية، وهو خلل بنيوي أفسد الأساس، ومن ثم فهو مفسد للبناء، وهو ليس موفقاً برفضه للانتفاضة الثالثة، وبرفضه للمقاومة المسلحة، وتمسكه بالمقاومة الشعبية السلمية، إذ بهذا يرسل رسالة تطمين للاحتلال لكي يستمر في مشروع الاستيطان والتهويد. المقاومة الشعبية السلمية تكون في البلاد المستقرة للمطالبة بالحريات والعدالة الاجتماعية ولم يسجل التاريخ أن أرضاً محتلة تحررت. بالهتاف والصراخ والشعارات ورفع الأعلام
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.