في خضمّ الجدل الدائر حول واقع السلطة في الضفة الغربية، والذي تصاعد عشية الاحتجاجات على زيارة موفاز وما رافقها من قمع، كان هناك متحمسون يرون أن (الربيع الفلسطيني) ينبغي أن يتصاعد حتى يحقق الخلاص من السلطة وأدواتها، فيما الواقفون في معسكر السلطة يجتهدون في القدح في نوايا ومنطلقات من خرجوا ليعلنوا رفضهم نهج المفاوضات والتنسيق الأمني. أعجبتني قبل أيام عبارة كتبها ناشط فلسطيني على الفيسبوك، تقول إنه "لا جدوى من الربيع الفلسطيني ما لم نتخلص من جراد الاحتلال"، بمعنى أن من يرى أن على الربيع الفلسطيني الإطاحة بالسلطة عليه أن يتذكر واقع الاحتلال، وهو أمر يبدو واقعياً ومبيناً للفرق الجوهري بين تجارب دول الجوار العربي وبين الحالة الفلسطينية؛ حيث ينبغي أن تظل المعركة مع الاحتلال الأولوية الكبرى بالنسبة للفلسطينيين على اختلاف أطيافهم ومسمياتهم. وفي الضفة الغربية، ليس لأحد أن يتصور أن هناك بديلاً عن السلطة الحالية قادرا على الحكم بأجندات وطنية نظيفة، لأن بديلها ينبغي أن يكون مثلها من ناحية ارتباطاته الأمنية وسياساته الاقتصادية ونهجه السياسي، لأن أي سلطة تحكم في ظل الاحتلال سيكون هامش حريتها ومناورتها ضيقاً أو معدوما، وستكون مضطرة لممارسة دور الحارس لأمن الاحتلال مقابل سماحه لها بالحياة! لكن ما تقدم لا يمنع ولا يجوز أن يمنع من حراك داخلي وطني واسع يستهدف إبطال نهج التسوية وإفرازاته، وأهمها التنسيق الأمني، ويطالب برفع يد السلطة وأجهزتها عن المقاومة، والكفّ عن تجريمها ومعاقبة رجالها، لأن أي تحرك شعبي واضح المعالم ومحدد المطالب أكثر جدوى وأقدر على التحشيد من حراك يتخذ لنفسه عناوين عامّة، أو يظلّ أسير مفاهيم ضبابية وعائمة. إن النهج الحالي للسلطة (السياسي والأمني) في الضفة يرفضه غالبية الفلسطينيين، ومع ذلك نجدها لا تزال قادرة على فرضه على الناس رغم إنكارهم له، إضافة لاستئثارها بالقرار واحتكارها الخطاب باسم الفلسطينيين وادعاء تمثيلهم. ومع ذلك نجد أن رافضي هذا النهج لا يطوّرون رفضهم إلى حراك سلمي قادر على الضغط على المستوى السياسي في السلطة، وإيصال رسالة احتجاج قوية ومستمرة له تعبر عن المزاج العام الذي ما عاد يكفي أن يمارس رفضه وإنكاره قلبيا. نقول هذا لأن من شأن تحرك وطني كهذا أن يعيد روح مقاومة الاحتلال إلى الجسد الفلسطيني، وأن يعيدها كخطّ أحمر لا تجرؤ أي سلطة حاكمة على المساس به، عدا عن أنه سيشكل قاعدة لوحدة على أسس جديدة يكون مشروع المقاومة والتحرر عمادها ودعامة استمرارها. إن طريق التحرر من الاحتلال لا زال شاقاً وشائكا، وينبغي أن تظلّ عيوننا على الخطر الحقيقي المتمثل بالاحتلال حتى ونحن نخوض أي معركة جزئية لأجل الحقوق أو الحريات، أو حتى رفضاً للمشروعات المعيقة استكمال مشروع التحرر، ومن هنا تأتي أهمية تحديد خطوات وأجندة أي تحرك شعبي بعيداً عن التوقعات الخيالية من جهة والنفَس التخذيلي والتيئيسي من جهة ثانية. ولكن في كل الأحوال، فلن تكون هناك مشكلة لأي فلسطيني حرّ مع أي تيار أو سلطة تخلّي بينه وبين مقاومة عدوّه، ولا تحاول فرض مناهجها العبثية عليه، وتصغي لصوت الإجماع الوطني، ولا تتقرب لعدوّها على حساب شعبها!
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.